رغم الألف غارة التي نفذتها طائرات التحالف الدولي على مليشيات داعش في العراق وسوريا، ما زال التنظيم الإرهابي يشن هجمات معاكسة سواء في سوريا أو في العراق. صحيح أن الغارات أثرت وبشكل واضح على التنظيم، إلا أن السير على هذا المنوال والوتيرة المحكومة بحسابات دقيقة من قبل الإدارة الأمريكية التي تسير حتى خيارات وزارة الدفاع الأمريكية تشير إلى أن الحرب على داعش ستتواصل لأعوام طويلة وترتبط بما تريد الإدارة الأمريكية من تحقيقها في المنطقة، وهو ما أثار قلق الدول المشاركة في التحالف الدولي ضد داعش، وهو ما ظهر جلياً في الاجتماع الأخير الذي عقدته دول التحالف بمقر حلف شمال الأطلسي في العاصمة البلجيكية بروكسل. وقد كشف الوزراء المشاركون في الاجتماع عن أفكار من شأنه أن تسرع عمليات القضاء على التنظيم الإرهابي الذي أثار الفوضى والاضطراب في المنطقة العربية، إذ لم تقتصر عمليات داعش على سوريا والعراق، بل امتدت أذرعتها الإرهابية إلى ليبيا وحتى مصر من خلال انضواء المليشيات والجماعات الإرهابية تحت مظلة هذا التنظيم الذي يراد له التمدد من خلال عدم اتخاذ قرار حاسم للقضاء عليه. وقد أوضح سمو الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية بأن القضاء على وجود عناصر داعش في العراق وسوريا، وبالذات في سوريا تتطلب وجود قوات قتالية على الأرض، وهذا القول تؤكده حصيلة الغارات الألف التي لم تحقق سوى تجميد مواقع داعش مع عدم القضاء على قدرتها على المبادرة حيث تفاجئ الآخريين بشنها غارات تسترد بها بعض المواقع التي فقدتها سواء في العراق أو سوريا. ولهذا فإن أفضل عمل تقوم به قوات التحالف الدولي لمواجهة داعش للقضاء على هذا الجسم الإرهابي هو وجود قوات قتالية من دول التحالف على الأرض ودعم قوات المعارضة (الجيش السوري الحر والجماعات المعتدلة في سوريا)، وأبناء العشائر في العراق، وذلك من خلال تزويد الثوار السوريين من المعتدلين بالأسلحة وتدريبهم ودعمهم لوجستياً من خلال تأمين مواقعهم وإقامة مناطق آمنة، أما في العراق فإن دعم العشائر وتقديم الأسلحة لهم وتدريبهم سيوفر جيشاً وطنياً من أبناء المحافظات التي تتعرض لإرهاب داعش.
ما لم يتم العمل على هذا الاتجاه وتوفير قوة مقاتلة على الأرض من أبناء سوريا والعراق وإسنادهم بقوة عسكرية من دول التحالف سيظل الموقف على وضعه الحالي، غارات تجمد عناصر داعش عند مواقعها مع عدم الاستهانة بالهجمات المفاجئة لهذا التنظيم الذي فهم التوجه الأمريكي الذي لا يريد القضاء عليه تماماً، وإنما استعماله كأداة ضغط على دول المنطقة لتتواءم مع الإستراتيجية الأمريكية الهادفة إلى إشغال المتطرفين ببعضهم البعض وبالذات المليشيات الإرهابية المحسوبة على المكون السني الذي يعده الأمريكيون الأكثر خطورة من المليشيات الطائفية المحسوبة على المكون الشيعي الذي يمكن التفاهم معه وحتى التنسيق للنهج البرغماتي الذي تسير عليه قياداته.