القصة لبست جديدة ولن تكون كذلك، إلا أنها تتكرر مع اختلاف الوسائل والأدوار كذلك، لكن الأكيد أن تجدد الخيارات وزيادات المساحات والأدوات دائماً ما يعيد انتشار التضليل والإشاعة.
لكل انفتاح قيمته، كما قيمه المضادة..ا لحرب الإعلامية في مواجهات الرأي العام وتوجيهه والتأثير فيه وكسبه، لم تعد تقليدية تتوقف فقط على الوسائل الكبري، أو الاعتيادية في عصر إعلام الأفراد، والإعلام المتنقل بين أيديكم، وبين أصابع الجمهور يقلبه حيث شاء، تتغير بعض قوانين اللعبة، وتصبح الإجراءات الرسمية أو التحذيرات العامة مجرد صرخة في وادٍ لا صدى له.
جولة على شبكة التواصل الاجتماعي ونماذجها سيجعلك تلحظ حجم الممارسات المكشوفة والمشوهة والمحاولات، والتي تهدف وبوضوح إلى شق الصف وتشويه الوحدة الوطنية، بل ومنها من يعمل عن سابق قصد وترصد للتشويش على الرأي العام، وخلق جدل ممنهج والهدف الثابت والمستمر والعميق باستمرار التأثير السلبي على الرأي العام، وقتل الإيجابية، قتل روح البناء والتقدم والتفاؤل.
اكتفي بنماذج من شبكات التواصل الاجتماعي وتحديداً شبكة تويتر وحساباتها.. هناك حسابات فقد قيمته وتأثيرها بأسماء مباشرة، تعود متلونة باستمرار عبر تحولات مضللة ومشوشة، طبعاً كما نفذو من خلال الإنترنت. سبق أن كتبت قبل سنوات عن تحريم الإسلامين السياسيين والحزبين للإعلام ومهاجمته من الفضائيات إلى الصحف، وثم باستمرار تشويه الإعلام. والإعلاميين، وصولاً إلى التغاضي عن الإنترنت حتى كوسيط أباحي، واستثمار المنتديات والمدونات والموقع، والتقنية التي صنعها الكفار -وفقاً لأدبياتهم-.
اليوم الصورة مختلفة، من تويتر الذي يتصدر التفاعل الإخباري والرأي المباشر، كما هو حال العالم الافتراضي، هناك دائماً فرصة لاختراع حسابات تجذب المتابعة، وتزيف الحقائق وتستغل المعلومات وتنتقي التعليقات، تخيل مثلاً أن حساباً مثلاً يسمى -هشتاق السعودية، أو عاجل السعودية- ومنها أخرى أقل حضوراً، وكلها تتابع برصد كل ما يدور في تويتر، وغيره من استجداء أخبار عاجلة، واختيارات مثيرة، وخلق إعداد متابعين وهمية، لاحظ كلها تضع «السعودية» عنوان للجذب فيما هي ضد كل ما هو سعودي وجوداً وهوية.
وحتى حسابات تدعي إنها فكرية أو دعوية، لكنها ستقدم لك ما تريد من أخبار -أحياناً-، إلا إنها تكتفي عند الحاجة بإعادة التغريد أو الدعم لتقديم رسالتها الإعلامية المودلجة، فرصة مؤقت لحسابات موثقة لكن مضللة، الموثوقية لا تعني الدقة، تعني علامة تجارية تمثل مصدر معروف ومسجل، لكن لا موثوقية للمحتوى.
تلك محاولات تتكرر في كل مساحة حرة وجديدة للارجاف، وتلك قصة طويلة لا علاقة لها أبداً بحرية التعبير، وإنما بعمل مضاد وممنهج لخلخلة الرأي العام، وخلق انقسام يؤدي إلى الضعف الداخلي. ثم إن النماذج المتوفرة والتي تُمارس هذا النوع من الأرجاف المفضوح ليس بحسابات أشخاص أو أسماء مستعارة كما هو سائد، ولكن بحسابات توحي إنها تمثل «المجتمع السعودي». أو صادرة منه، فيما لا تمثل إلا أحزاب ضيقة بائدة، ومنها ما يكشف بوضوح أنه يدار من دول خارجية قريبة أو بعيدة.
خلط رهيب يحاول إن يجد له مساحة وتأثيراً في الرأي العام الافتراضي عبر التزوير والاختلاق والتشويه المبرمج..
طبعاً خطورة هذا الاختراق والتضليل الممنهج عبر فضاءات العالم الافتراضي الذي أصبح أقرب لنا وأكثر تأثيراً من كل الواقع ووسائله الحية والتقليدية، يحتاج إلى مواجهة الكترونية بديلة تستطيع رصده أولا وكشفه، وخلق بديل حقيقي، بديل محترف من رحم العالم الافتراضي ووعيه وجمهوره.