بعد وفاة الملك عبدالعزيز موحد المملكة العربية السعودية في 9-11-1953م في القصر الصيفي في مدينة الطائف عن عمر 72 عاما عظم الله مأثره وعظم الله قدره وأسكنه فسيح جناته وجعل الجنة مأواه ووالديه وجميع المسلمين جزاء ماقدمه من أعمال خالدة كان بدايتها تحرير هذه البلاد وتوحيدها تحت مسمى واحد هو المملكة العربية السعودية ومن ثم بدأ العمل الحضاري والتنموي لتطوير هذه المملكة في كافة الاتجاهات كان أولاها إرساء دعائم الحكم في هذه الدولة العظيمة، غير أن القدر من الله لم يمهل عبدالعزيز لإكمال المسيرة، ولذا عندما انتشر خبر وفاة الملك عبدالعزيز- -رحمه الله- خيمت على البلاد موجة من الحزن الكبير لكن الإيمان بالله سبحانه وتعالى وبقضائه وقدره يستوجب حمده على ذلك, بعدها أقلت طائرة خاصة من الطائف إلى الرياض وهنا بدون ترف أو أبهة وكما تشترط تعاليم الاسلام ووري جثمان الملك الراحل في الثرى -رحمه الله- رحمة واسعة , بكت البلاد بأكملها مليكها الذي تندرج سيرته السياسية الباهرة في سجل الوقائع التاريخية العربية المجيدة بعد أن أسس مملكة كبيرة مترامية الأطراف تمتد من البحر الأحمر غربا إلى الخليج العربي شرقاً ومن اليمن وعمان جنوباً إلى العراق والأردن شمالاً, وكان قدر الله سبحانه وتعالى ماضيا فيما قدر وبعد الانتهاء من مراسم الدفن الاعتيادية حسب تعاليم الدين الإسلامي بدأت مراسم العزاء في وفاة الفقيد الراحل من أبناء الملك وحكومته وشعبه الكبير، ثم بعد ذلك تولى الحكم ولي عهده الأمير سعود بن عبدالعزيز الذي ولد بالكويت بتاريخ 3-10-1319هـ الموافق 15-1-1902م فيما كان والده -رحمه الله- يستعيد عاصمته وقد ولاه والده ولاية العهد بتاريخ 11-5-1933م ودعا أعيان المملكة إلى مكة المكرمة لمبايعته.
كان الملك سعود -رحمه الله- رحمة واسعة قد تعلم تجويد القراَن على يد بعض العلماء ثم نشأ في مدرسة الصحراء الصارمة في غذائها وقضاء يومها على صهوة الجياد مما جعله في مرحلة مبكرة يثبت صفاته الحربية مع الالتزام الشديد بالواجبات الدينية وقد أوكل له والده رحمهما الله جميعا أول مهمة رسمية وهو في سن الثالثة عشرة في عام 1914م حيث سافر إلى قطر، وأما في السابعة عشرة من عمره تميز في معركة تربة في 13-6-1918م ثم حارب في حائل واليمن وتلقى عن والده رحمهما الله جميعا عدة طعنات من أعداء كادوا يطلقونها على والده أثناء الحج إلا إنه بحمد الله وتوفيقه حماه بجسده من تلك الطعنات التي كانت موجهة الى كتف والده اليسرى، وفي سنة 1973مثل والده في حفل تتويج الملك جورج السادس وبعد تعيينه على التوالي أميرا على نجد ثم أميراً على الحجاز تلقى دعوة من واشنطن أرسلها إليه الرئيس تورمان فكون على هذا النحو فكرة أولية عن القوة الأمريكية عام 1946م.
وعندما اعتلى العرش خلفا لأبيه بوصفه وليا للعهد في 9-11-1953م كان يجمع في شخصه كل الصفات المطلوبة لممارسة السلطة الدينية والسياسية في آن واحد.
وكان عمره -رحمه الله- بعد تسلمه مقاليد الحكم قد تجاوز الخمسين عاما بعد مبايعته بالطبع من قبل المسؤولين في الدولة وأعيان البلاد ورجال القبائل وكافة أفراد الشعب وسرعان ما أثبتت الدولة السعودية الجديدة أن بمقدورها بحمد الله أن تتخذ مبادرات جريئة وإصلاحات واسعة كان في مقدمة المبادرات إنشاء الشركة السعودية لناقلات النفط التي تأسست في جده والتي حصلت من الملك سعود على حصرية النقل البحري لكل النفط الخام المستخرج من المملكة ومن ثم توالت الإصلاحات الداخلية للمملكة في كافة المجالات من قبل الملك سعود -رحمه الله- الذي بويع على البلاد سنة 1373هـ وأثناء مدة حكمه التي امتدت إلى أحد عشر عاماً كان خلالها سابقا لعصره بحكمته وفكره النيِر فكان جل تفكيره الدائم -رحمه الله- هو بناء هذا الوطن وفق أسس حديثة عصرية ركائزها الشريعة الاسلامية الغراء وقد بدأ -رحمه الله- في هذه البداية باستقدام المهندسين والأطباء والمعلمين والخبراء من شتى أقطار العالم لحاجة العمل إليهم، ومن ثم إرسال بعثات كثيرة إلى خارج المملكة لدراسة جميع التخصصات المختلفة التي تحتاجها المملكة آنذاك وامتدادا لذلك أولى -رحمه الله- الصحة والتعليم والامن اهتماما كبير إضافة إلى اهتماماته بالأعمال الخيرية التي يحرص عليها كان من أهمها إنشاء دور الأيتام في كافة مدن وقرى المملكة وكان لمحافظة الزلفي نصيب من ذلك وكان سنة 1375هـ استمر -رحمه الله- على العمل في تطوير البلاد في كافة المجالات العمرانية والزراعية وتقوية الجيش والأمن وفق خطط وأهداف مدروسة ومن أهم تلك الإنجازات الداخلية:
-افتتاح عدد كبير من المدارس في جميع أنحاء المملكة وفي مقدمتها دور الأيتام للتعليم والرعاية كما ذكرت.
-إنشاء كلية الملك عبدالعزيز الحربية لإيجاد الضباط المتعلمين والمتخصصين في مجموعة من التخصصات.
-تطوير المصانع الحربية بالخرج لصنع ما تحتاجه المملكة من الذخيرة.
-إنشاء جامعة الملك سعود عام 1375هـ
-نقل كافة الوزارات من مدينة جدة الى مدينة الرياض العاصمة السياسية للمملكة.
-افتتاح وزارات جديدة وتعيين وزراء جدد لها.
-والأهم هو وضع حجر الأساس لتوسعة الحرم النبوي الشريف وكان ذلك في مقدمة أعماله ومن أولها بعد استلامه للحكم مباشرة.
-الاهتمام بالصحة اهتماما كبيرا يتضح ذلك من بناء مستشفى الملك سعود بالرياض سنة 1376هـ وهو إلى الآن من اكبر الصروح الطبية في المملكة بالإضافة إلى افتتاح المعاهد الصحية.
-اعتماد وحدة نقدية للمملكة هي الريال السعودي وإنشاء مؤسسة النقد العربي السعودي.
-إنشاء الخطوط السعودية وخطوط الحديد وإنشاء مدارس زراعية متخصصة.
-بالإضافة إلى عدة أعمال كثيرة قام بها -رحمه الله- تعالى مسابقا الزمن في إنجازاته وخاصة اهتمامه بالحرمين الشريفين وتوسعتهما والاهتمام بهما.
وكان -رحمه الله- يهتم بتفقد أحوال شعبه في كل مدينة وقرية في ذلك الوقت رغم عدم تواجد الخطوط المسفلتة ومما يدل على ذلك زيارته -رحمه الله- لمحافظة الزلفي مرتين الأولى سنة 1373هـ والثانية 1378هـ وقد كتبت عن ذلك مفصلا في صحيفتنا الجزيرة الغراء بتاريخ 3-11-1435هـ العدد 15310 حيث تفقد المحافظة التي كانت في ذلك الوقت بلدة صغيرة واجتمع بالأهالي وتفقد أحوالهم واستمع -رحمه الله- إلى احتياجاتهم ولبى مطالبهم. وأقيم له حفلا كبيرا بمناسبة الزيارتين كل زيارة على حدة وقد زار عدداً كبيراً من المدن والبلدان الأخرى وتفقدها وأمر بتلبية مطالب أهلها وإقامة مشاريعها المختلفة وكان -رحمه الله- يلقب بأبي الشعب لقربه من شعبه وتواضعه معهم واستقبالهم والحديث معهم.
هذه سيرة مختصرة جدا عن حياة هذا الملك الراحل المحبوب من قبل شعبه -رحمه الله- رحمة واسعة.
أما اهتمامه بالخارج فهو اهتمام كبير لا يسعني في هذه العجالة أن أوضح الشيء الكثير منه ذلك لأنه يحتاج إلى صفحات بل إلى مجلدات لكنني سأوضح جزءاً قليلا من ذلك الاهتمام الذي هو مرادف وموازٍ لاهتمامه بالداخل، حيث زار الهند لتقوية علاقات المملكة بها ذلك لأنها بلد هام في موقعه وكثرة عدد سكانه وكان ذلك في 30-11-1955م بدعوة من زعيم الهند الحرة نهرو وقبلها قام بزيارة ايران حيث حل ضيفا على الشاه 10-8-1955م لتقوية العلاقات ايضا, كما زار الملك سعود -رحمه الله- فرنسا واسبانيا والمغرب وتونس في زيارات هدفها تقوية العلاقات بين المملكة وتلك البلدان ثم اجتمع بمصر مع الرئيس المصري جمال عبدالناصر والرئيس السوري شكري القوتلي للبحث في عدة أمور تهم الامة العربية والاسلامية ومن ثم زار الاردن أيضا للأهداف الآنفة الذكر وتوالت زياراته لعدد كبير من البلدان العربية والإسلامية والصديقة بهدف تقوية العلاقات والتباحث فيما يخدم المصالح المشتركة وتقوية العلاقات الاقتصادية مع هذه الدول، وكانت علاقة المملكة مع كافة دول العالم في عهده -رحمه الله- جيدة.رحم الله الملك سعود رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته ووالديه والمسلمين آمين يا رب العالمين.