حياة إنسان هذا العصر تتغير بسرعة أكثر من عصور مضت. التقنية ووسائل الاتصال جعلت التغيير يطال ليس فقط طباع الناس أو أذواقهم بل وحتى قناعات وقيم ومبادئ كثير من الناس. ترى مواقف أخيك أو صديقك تتغير بين ليلة وضحاها. لا أحد يشعر بالتغيير، لكنه في الحقيقة يتغير بطريقة أو بأخرى. الناس من ترى هذا التغيير وتحكامك عليه!
بدأ حياته الوظيفية «صافي النية» مع الجميع. لم يقابل الإساءة إلا بتجاهل. مرت السنوات وهو على هذا الحال، حتى تولى مسئولية إدارة، تختص بالتعامل المباشر مع الجمهور. كان يظن أن شخصيته الحالية لا تتناسب مع مهامه الجديدة، لأن التعامل مع الناس بالنية الطيبة سوف تضعفه وتقضي على مستقبله الوظيفي. استعان بكتب تعليم طرق الخداع والمفاوضات، وازداد أكثر بنصائح ممن يظنهم أصحاب رأي وقيادة، حتى وإن كانوا من ذوي السمعة السيئة!
قال له رجل ممن اختبر الحياة واختبرته، وقاربت سنواته الوظيفية على خط النهاية:
- كل ما تغيره في شخصيتك وقناعاتك لن تستعيده مرة أخرى!!
مضت أيامه وهو يتعامل مع الناس بوجهين. الوجه الذي يلبس قناع الحيلة المغلفة بالابتسامة المصطنعة، ووجهه الآخر الحقيقي هو من يختبئ في لاوعيه.
حقق نجاحات ملفتة للنظر، قابلها تساقط سنوات من حساب عمره. يتناول المهدئات لكي يتحكم بوجهه الحقيقي لئلا يظهر ضعفه أمام الناس. كانت الشخصية الجديدة تأكله من داخله يوما بعد يوم، وهو يحاول أن يقاوم بين ما يريده وما يظن أن هذا ما يريده الناس!
ليست القصة خيالية، والرجل هو نتاج المجتمع الذي تؤسس ثقافته الشفهية بمقولات مثل: «إن لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب»، وقد ترى مثل هذا النموذج من حولك في أماكن متعددة، لأن مقياس الإنجاز في العمل أصبح لدى الكثير، يعتمد على «الحيلة» لا «الصدق».
في دول العالم الأول يظل «الصدق» معيار شرف للتعامل بين الناس، وليس ذلك لأن الناس كلهم صادقين وشرفاء، ولكن لأن القانون يجرم الخداع والحيلة.
أما في دول العالم الثالث فإن الشخص الذي يمارس خداعا يضر الناس أيا كان هذا الخداع، فإن مصيره بحسب نفوذه، إما السجن وإما طرده فقط!
وعودة للبداية، فإن الثبات في عالم متغير القناعات والمبادئ، هو امتحان بكل ما تحمله هذه الكلمة من ثقل في المعنى وقدرة على التحمل!