كنت عائداً للرياض عبر مطار الملك خالد. خرجت من البوابة الرئيسية قبيل أذان الفجر بساعة. اتجهت إلى ممر سيارات شركات الأجرة. كانت السيارات متكدسة . أردت ركوب إحداها فأشار المسئول عن تنظيم شركات سيارات الأجرة بأنهم لا يستطيعون خدمتي بسبب أن سيارة أجرة خاصة بمواطن سعودي قد توقفت على مخرج السيارات جميعها، ولن يكون بمقدورهم خدمة أي راكب إلا بعد أن يغادر بسيارته.
سألته: ولماذا لا تشتكون على المسئول؟ قال: تفضل بنفسك واسأل؟
كانت سيارة الشرطة قريبة. سحبت شنطتي وتوجهت للشرطي وحكيت له الموضوع ثم سألته: كيف ترضى وأنت رجل أمن أن تقبل بغلق ممر السيارات بهذا الشكل دون أن تفعل شيئاً؟
سألني : ولماذا لا تركب مع السائق السعودي؟
كنت أعرف هذه النغمة جيداً . رجل الأمن يتخلى عن وظيفته، وينحاز بداعي (الفزعة) إلى الوقوف مع من يظنه الحلقة الأضعف في المشكلة أي سائق الأجرة السعودي!
أردت أن أرى كيف سيدير رجل الأمن المسألة. قلت له : ليس لدي أي مشكلة .. لكنني لا أرى أحداً في السيارة؟ ثم أضفت: كيف يغلق مسار السيارات ويغادر سيارته هكذا ؟ حاول تهدئتي وأكد : سأحضره لك!
ترجل من سيارته ثم سمعته يصيح بصاحب سيارة الأجرة بكنيته. حضر الرجل مسرعاً واعتذر لرجل الأمن عن خدمتي لأنّ سيارته فان وهو بحاجة لعدد ركاب لا يقل عن خمسة أشخاص!
لم أقل شيئاً في انتظار ما يفعله الشرطي الذي قرر أخيراً أن يطلب من سائق الأجرة السعودي تحريك سيارته حتى أتمكن من صعود إحدى سيارات أجرة شركة الأجرة. تحركت السيارة قليلاً، غادرت مع سيارة الأجرة، ثم التفت، رأيت سائق سيارة الأجرة السعودي يعود بسيارته ليغلق المسار مرة أخرى. انتهت مشكلتي، لكن مشكلة الركاب الآخرين ستظل معلقة!
هذه القصة هي نموذج مصغر لكيف نتعامل في حل مشكلاتنا، ولا يهم نوع المشكلة كانت صغيرة أم كبيرة. المعنى هنا أننا لا نبحث عن الحل في أي مشكلة حتى لا تكرر ، طالما أننا نستطيع (تهدئة) المشكلة بمسكنات وقتية، تعطي نتائج سريعة، لكنها تجعل المشكلة تكبر وتكبر حتى تصير (مصيبة) عندها يكون الحل في مسار عقابي لا يفيد إلا في معاقبة المتسبب دون النظر في مسببات المشكلة الأساسية!
تأمّل كل المشكلات التي واجهتك مع البشر سواء في قطاعات الخدمات أو حتى على مستوى العلاقات الشخصية.. كيف انتهت؟