اتكأتُ على ساق والدتي وقد شنفت مسامعي بصوتها الشجي؛ وحكايتها الشائقة عن «أبي ياسر» وهو تاجر عاش في العصر الماضي، واشتهر بأمانته حتى بلغ في ذلك صيتاً عالياً، وغدا الناس يأتون إليه من كل فج. وذات نهار جاءه رجل من أقصى المدينة، ووضع أمامه صرة مملوءة بالدنانير، ورجاه أن يقبلها أمانة لديه. وافق « أبو ياسر» على مضض؛ فقد كانت تجارته تمر بكساد، وقد عزم على الانتقال إلى بلدة أخرى. مرت الأيام بالتاجر وهو في أسوأ حال، فأهل بيته ينتظرون الرزق كل ليلة وهو لا يجد من يشري بضاعته البائرة. حينها أشارت إليه زوجته أن يأخذ الوديعة حتى يرجع صاحبها. ما لبث أن رضي التاجر بذلك فاستعمل الدنانير واشترى بها الديباج؛ حينها أقبل الناس عليه تارة أخرى يبغون ما لديه؛ وربحت تجارته وفاض ماله. وبعد مرور سنين عدة أقبل إليه صاحب المال يطلبه، فما كان من «أبي ياسر» إلا أن أخبره بأن كل خير يراه إنما هو ملك لهذا الرجل. أعجب الأخير بأمانته وأبى ألا يأخذ إلا ما ترك ويبقي للتاجر الأمين ما استفاض ونما.. فرح «أبو ياسر» بذلك، كما سعدتُ بهذه النهاية.