بلدٌ مباركٌ بأرضه وخيراته، وشعبٌ كريمٌ يعطي بلا حدود، ووفيٌّ يُخلصُ بلا حدود، فهنيئاً للبلاد بأهلها وخيراتها، وهنيئاً للشعب بتاريخه وأمجاده.
تلك هي الحكاية؛ حكايةُ بلدٍ ماردٍ في شموخه، سامٍ في عليائه، واعدٍ في شيوخه وأبنائه، حكايةٌ بدأت منذ عهد بعيد؛ منذ دعوة إبراهيم عليه السلام: {... رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ...} (سورة البقرة؛ آية 126)، وتجددت الحكايةُ وتأصّلت وتعمقت يوم أن بُعث محمدٌ (صلى الله عليه وسلم) ليكون للعالمين بشيراً ونذيراً، حكايةٌ عمّت الأرض بخيرها، وأسعدت النفس بنورها؛ رايتها خضراء يانعة؛ روحها «لا إله إلا الله، محمدٌ رسول الله»، وشرعها الإسلام، ومصباحها القرآن، ولغير ذلك ليس فيها مكان.
فما الذي يريده المُفْـلِسون المختطفة عقولهم، والمسلوبة إرادتهم، لحساب أطماع حاقدين يوصلون الليل بالنهار في التخطيط والتدبير ليلحقوا الدمار والخراب بهذه الأرض والأذى بأهلها.
فما حدث في الاحساء والقصيم يأتي في إطار ارتماء فئة ضالة في أحضان أسيادها لتحقيق حساباتهم، لقد طُبع على قلوبهم وأسماعهم، فقدوا البصر والبصيرة، باعوا أنفسهم، فلم يعودوا يدركون قصص التاريخ ويعتبرون؟ نسوا أبرهة والطَّيْرَ الأبابيل، ونسوا أضغان الفرس والروم والآخرين، ونسوا أنهم وأسيادهم حتماً سيفشلون، فللبلد ربٌ يحميه، وفيه أمة فيها الخيرُ إلى يوم الدين، فأمة الحق بإذن الله منتصرة، وهذا يقين، في يومنا هذا، أو بعد حين.
وحينئذٍ سيذهب أفراد تلك الشرذمة الحاقدة إلى مزبلة التاريخ، وسيلاحقهم الخزي والعار لما اقترفته أيديهم من قتل للأبرياء وترويع للآمنين، لقد باعوا أنفسهم رخيصة، ولم يستفيدوا من درس (التينة الحمقاء)؛ تلك الشجرة الفاسدة التي اعتنى بها صاحبها، وسهر عليها، ومنحها كل ما يملك من جهده ووقته، وبذل من أجلها الغالي والنفيس، لتكبر وتزدهر وتثمر وتؤدي دورها في الحياة، لكنها جحدت وبخلت وأبت إلا أن يجتثها صاحبها لتصبح حطباً تأكلها النيران، أو كما قال الشاعر الفذ إيليا أبو ماضي:
التَّيِنَةُ الْحَمْقَاءُ
وَتِينَةٌ غَضَّةُ الْأَفْنَانِ بَاسِقَةٌ
قَالَتْ لِأَتْرَابِهَا وَالصَّيْفُ يَحْتَضِرُ
بِئْسَ الْقَضَاءُ الَّذِي فِي الْأَرْضِ أَوْجَدَنِي
عِنْدِي الْجَمَالُ وَغَيْرِي عِنْدَهُ النَّظَرُ
لَأَحْبِسَنَّ عَلَى نَفْسِي عَوَارِفَهَا
فَلَا يَبِينُ لَهَا فِي غَيْرِهَا أَثَرُ
لِذِي الْجَنَاحِ وَذِي الْأَظْفَارِ بِي وَطَرُ
وَلَيْسَ فِي الْعَيْشِ لِي فِيمَا أَرَى وَطَرُ
إِنِّي مُفَصِّلَةُ ظِلِّي عَلَى جَسَدِي
فَلَا يَكُونُ بِهِ طُولٌ وَلَا قِصَرُ
وَلَسْتُ مُثْمِرَةً إِلَّا عَلَى ثِقَةٍ
أَنْ لَيْسَ يَطْرُقُنِي طَيْرٌ وَلَا بَشَرُ
عَادَ الرَّبِيعُ إِلَى الدُّنْيَا بِمَوْكِبِهِ
فَازَّيَّنَتْ وَاكْتَسَتْ بِالسُّنْدُسِ الشَّجَرُ
وَظَلَّتِ التِّينَةُ الْحَمْقَاءُ عَارِيَةً
كَأَنَّهَا وَتَدٌ فِي الْأَرْضِ أَوْ حَجَرُ
وَلَمْ يُطِقْ صَاحِبُ الْبُسْتَانِ رُؤْيَتَهَا
فَاجْتَثَّهَا فَهَوَتْ فِي النَّارِ تَسْتَعِرُ
مَنْ لَيْسَ يَسْخُو بِمَا تَسْخُو الْحَيَاةُ بِهِ
فِإِنَّهُ أَحْمَقٌ بِالْحِرْصِ يَنْتَحِرُ