وسط الرياح العاتية التي تعصف بالمجتمعات الإسلامية محمّلة بغبار الشهوات والشبهات مما يعود سلبياً على ديننا ووطننا وأمننا فكان لزاماً علينا وضع ترسانات واقية ومضادات آمنة وحكمة متوازنة لصد تلك الرياح اللواقح وشهواتها وشبهاتها.
وبفضل الله قيَّض الله لذلك دعاة ومربين ومرشدين امتهنوا أشرف وأفضل مهنة ألا وهي الدعوة إلى الله قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا } سورة فصلت (33). فلا يخفى على عاقل ما تُمليه تعاليم ديننا الحنيف من مبادئ وقيم سامية وتوسط وحكمة بلا إفراط ولا تفريط تحمي الفرد والمجتمع والوطن وتحصنه ضد الانحرافات وما تدعو إليه، فأصبحت الدعوة إلى الله مهمة كل مسلم غيور على دينه أمين على وطنه ممتثلاً الأمر الرباني {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} سورة النحل (125). فكلنا بإذن الله ذلك الداعية بقلب واحد وهدف واحد لمستقبل واعد.
وأحببت هنا أن أتوقف قليلاً على بعض ما لوحظ في الآونة الأخيرة من الاختلاف في اتجاهات الخطاب الدعوي وما تحمله خطب الدعاة ومواعظهم ونصائح المربين وتوجيهاتهم، حيث إنها باتت تميل كثيراً للتركيز على الثمار الدنيوية فقط للأعمال الصالحة والتحفيز لها مع إغفال تام (غالباً) للثمار والثواب الأخروي فتجد من يقول أكثر من الاستغفار ليبارك الله في مالك وولدك وتب إلى الله لتسعد بحياتك وصلِ لتتحقق أمنياتك وتواصل مع رحمك ليبارك في عمرك وتصدق ليكثر مالك. كلام جميل ولا غبار عليه وحقيقي وثواب ثابت ولكنه اتجاه واحد لثمرات الأعمال وجمل وعبارات التذكير فتميل النوايا إليها فقط وننسى ثواب الآخرة قال تعالى: {وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} سورة النحل (41). وخصّ سبحانه ثواب الآخرة بالحسن فقال سبحانه {فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ} سورة آل عمران (148). تنبيهاً على جلالة ثوابهم وغايته في الحسن والكمال كيف لا وهي دار عرضها السماوات والأرض فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وفيها رؤية الرحمن جلَّ جلاله وهي الحياة الحقيقية التي سنعش فيها {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (64) سورة العنكبوت.
فعلى كل داعية في تحفيزه للأعمال الصالحة وفعل الخير أن يدرك أهمية الاتجاهين للثواب في الدنيا وفي الآخرة وأن يجعلهما متلازمين دائماً لنحيي في النفوس الشوق للجنة ونعيمها ونضع ذلك نصب أعيننا لنبني مجتمعاً مسؤولاً واعياً له غاية وهدف يطمح إليه ويخشى من كل أمر قد يعرقله عن بلوغ مراده وتقديم الذي يبقى على الذي يفنى وأن نجعل ذلك في كل اتجاهات الخطاب الدعوي في الترغيب والترهيب والوعد والوعيد وهذا من تمام إتقان عمل الداعية وإدراكه لمسؤوليته وما يدعو إليه وهو المنهج الرباني، فها هو نوح عليه السلام يُضمن ثواب الدنيا والآخرة في تذكيره لقومه، بل يبدأ بالتذكير الأخروي {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا} سورة نوح (10-12). فبدأ بمغفرة الذنوب، حيث إنها قد تسبب العذاب في الآخرة وتمنع دخول الجنة ثم بدأ بذكر ثواب الدنيا متلازمين في خطاب واحد، وعليه كان رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم في بناء أمته والدعوة لدين الله عزَّ وجلَّ. وعلى هذا النهج سار الصحابة رضوان الله عليهم والتابعون فلنسر يا أخي على خطاهم ولنقتف سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في الدعوة والإصلاح.