لم أصدق ناظري وأنا أقرأ هذا المقال الهجومي التعميمي على المرأة العاملة!
هل يصل الهجوم من كاتب سعودي إلى هذا الحد على أخته المرأة السعودية العاملة التي ناضلت من أجل تعليمها، وناضلت في الانتصار على ظروفها الأسرية والاجتماعية للالتحاق بوظيفة تخدم نفسها وأسرتها ومجتمعها: إدارية ومعلمة وطبيبة وأستاذة جامعية.. إلخ.
مما زاد استغرابي أن الكاتب صالح الرشيد (أستاذ دكتور) حتى ظننت أن الاسم وهمي، ولكن المقال منشور بصحيفة سعودية ((اليوم)) باسم صريح، وعنوان مقاله القنبلة: ((أختي الموظفة: عذراً: هنا مكتب للعمل وليس مجلساً للحش!!)). وفي تعريف الكاتب بنفسه نهاية المقال قال إنه أستاذ جامعي - إدارة وتسويق بجامعة الدمام!
اقرؤوا هذه المقاطع والاتهامات التي ألصقها الكاتب بالمرأة العاملة لتروا مصدر استغرابي بل غضبي وأنا رجل، فما بالك بغضب أخواتنا السعوديات المتعلمات العاملات.. من هذه الاتهامات كما ورد بالمقال الذي سمى فيه الكاتب أماكن عمل المرأة بمكاتب الحش: اقرؤوا بعض ما سطره الكاتب جوراً وافتئاتاً. يقول مقارنا لها بالرجل: ((المرأة غير.. تعشق السواليف، ولسانها يعمل بطاقة حصانين)). ويضيف بأنهن يتبارين في مواقع العمل بارتداء الأزياء.. ((المرأة هي المرأة مهما تعلمت ومهما عملت)). والرجل اسم الله عليه لا يثرثر ولا يتبارى في موديلات السيارات!
ويمضي بالاتهامات: ((إذا كنا نريد معرفة مشكلات مجتمعنا وأسبابها.. فلنضع أجهزة تسجيل في مكاتب تعمل فيها النساء.. عندها سنسمع العجب العجاب..)).
إذن على الوطن أن يلغي مراكز البحوث الاجتماعية، وعلى الجامعات أن تلغي الكليات الاجتماعية.
واقرؤوا هذا المقطع كاملاً الذي طال الموظفات ومديراتهن بل شمل كل السعوديات: ((مكان العمل أكثر إغراء للمرأة من أي مكان غيره؛ فالمكاتب والمقاعد مريحة، والإضاءة عالية، والأزواج والآباء والأبناء والإخوة غائبون، والمديرة غالباً مشغولة هي الأخرى بمجلس حش أو وليمة غيبة أو نميمة، تصدر الأوامر والتعليمات بسرعة البرق؛ لتعود سريعاً لهوايتها المفضلة في الحديث في الهاتف أو الحديث مع مديرة أخرى أو إكمال سالفة مع موظفة مقربة)).
((اللهم حوالينا ولا علينا!))
ما استطعت أتبيّن هدف الكاتب من هذا الخطاب الهجومي التعميمي على المرأة العاملة السعودية.. هل هو البحث عن الشهرة أم الإساءة!!
لو قال في مقاله بعض النساء لكان الأمر معقولاً، لكن ثقافة التعميم هي المرفوضة؛ وهذا ما حداني للرد على المقال تبرئة لساحة النساء العاملات.
ينهض سؤال بحجم هذا الهجوم هنا:
لماذا المرأة كما يدعي الكاتب هي التي تضيع وقت العمل فقط؟
ماذا عن الرجال الذين منهم المخلصون المنتظمون فعلاً، ومنهم المهملون، ومنهم من ينشغل عن العمل بالأسهم والثرثرة، ومنهم من يخرج من العمل ولا يعود إلا نهاية الدوام، وذلك متاح لهم، بينما المرأة على عكس ذلك، فهي كالوشم، باقية بعملها؛ فهي تأتي صباحاً، ولا تخرج إلى بيتها إلا نهاية الدوام.
إن القضية: التزام بالأمانة، واحترام للمسؤولية، وثقافة عمل، ولا يخص ذلك جنساً أو جنسية، ولا امرأة ولا رجلاً، ولا وزيراً ولا خفيراً!!
ثم يأتي الكاتب بتفاصيل وباتهامات وأعاجيب عن المرأة العاملة، ما أنزل الله بها من سلطان، وليس عليها أي برهان، مثل قوله: ((إن المرأة تعشق تغيير الخدامات مثلما تعشق تغيير أزيائها!)) كأن النساء تقول الآن: ((وين خادمة واحدة يا حسرة)). وفي تقسيمه للنساء على أصناف، اعتبرها كلها سيئة، وذكر منها: ((وأخرى حكيمة الزمان والمكان.. وهي بعيداً عن المكتب: أم الخيبة ورائدة الفشل)) لا حول ولا قوة إلا بالله: هكذا تصل أوصافه واتهاماته!
ويختم مقاله العجيب: ((عوضنا الله خيراً عن أوقات ضيّعنها في مكاتب الحش)).
وأقول لهذا الكاتب الذي أطلق الأحكام جزافاً:
أولاً: هل جلستَ بمكاتب هؤلاء النساء العاملات اللواتي يخدمن المجتمع، ويعلمن الأجيال، ويعالجن الناس، ويُدرن الأعمال؛ حتى تحكم بأنهن لا يعملن، وتتهمهن بهذه الافتراءات، وتصف مكاتبهن بمكاتب الحش؟ وإذا كنت تعرف حالة أو حالات معدودة فكيف تُسقطها على كل بنات الوطن؟!
ثانياً: كيف تكتب وتطلق الاتهامات على النساء اللواتي يخرجن قبل الفجر لأداء رسالتهن نحو تعليم بنات الوطن، والإسهام بتنميته، وعلى أولئك اللواتي يقضين بياض يومهن في القطاع الخاص والشركات، ويحاسَبن على الساعة والدقيقة، وعلى تلك النساء ممن يكابدن من أجل القيام بواجبات عملهن صباحاً، ثم يعدن مساء ليؤدين رسالتهن العظيمة في رعاية منازلهن، وتربية وخدمة أبنائهن وبناتهن، وأداء حقوق أزواجهن؟!
ثالثاً: كيف تعمم في مقالك غير المبرّر هذه الأحكام والاتهامات؟.. إن كان هناك من يفعل ذلك فهنّ فئة قليلة، والشاذ لا يُحكم من خلاله على المجموع - كما يقول العقل وأهل المنطق -.
رابعاً: ثبت أن أغلب النساء: أكثر إخلاصاً وتفانياً في العمل من بعض الرجال - وأقول هذا وأنا رجل -: انظر فقط لمجال التعليم؛ فالمعلمات بالمدارس والأستاذات بالجامعات يتفانين بخدمة رسالتهن التعليمية والتربوية: إخلاصاً وانضباطاً والتزاماً بالدوام، رغم أن ظروفهن صعبة، سواء بالتنقل بين العمل والمنزل، أو ظروفهن المنزلية، أو بحكم حالاتهن الصحية الشهرية.. وانظر لمخرجات التعليم، تجد البنات - على حداثة تعليم المرأة - هن أكثر تفوقاً، وأعلى نسبة نجاح من كثير من الذكور!
أخيراً: كيف - بالله عليك - تصف مكاتب عمل المرأة بأنها: ((مكاتب حشّ))؟! والله خانني حرفي في أن أرد على هذا الافتراء!! فبعض الاتهامات تفنّد نفسها بنفسها!
يا ابنة الوطن، استمري بعطائك بعدما انطلقتِ بنجاح من هودج الجمل، وارتديتِ (روب الجامعة)، وانتقلتِ من حقل الفلاحة إلى كرسي المسؤولية.
أيتها العزيزات من بنات الوطن: اطمئننّ لتقدير مجتمعكن ووطنكن؛ فأنتن ما بين: طالبة مجدة، وعاملة مخلصة، وربة منزل متفانية، تتماهين مع شريككن الرجل في خدمة أبناء وبنات الوطن.
وبعد أقول:
((ما دام جهدك في البرية ماثلاً
حاشا يضيرك أن ينالك ناقد))