تطوي «الجزيرة» في هذا اليوم صفحات ملفها الذي فتحته على مدار ثلاثة أسابيع في تشخيصها واقع العالم الإسلامي اليوم، وما تعانيه كثير من دوله من اضطرابات وأزمات، من خلال استطلاع آراء عدد من المختصين والمهتمين بقضايا الأمة.. وعبر تساؤلات كيف نتغلب على هذه الأوضاع؟ وكيف نعالج مثل هذه القضايا؟، وما السبيل الأمثل للخروج بأمة الإسلام من الشتات والفرقة إلى وحدة الصف واجتماع الكلمة؟ فكانت إجاباتهم وفق التالي:
تراجع وتقهقر
بداية، يؤكد الدكتور أحمد خالد شكري عضو هيئة التدريس في كلية الشريعة بالجامعة الأردنية أن واقع الأمة الإسلامية واقع مؤلم جدا، فهي تعاني من التشتت والتفرق والتشرذم والضياع والفقر والجهل والاختلاف والتمزق، وحالة من انعدام الوزن العالمي، مما أدى إلى انهزامنا معنويا وداخليا، واستهتار الآخرين بنا، وما تزال أوضاع الأمة في المنظور إلى تراجع وتقهقر وتخلف، مع تقدم الآخرين وسبقهم، مع أن الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة تحث المسلمين على الأخذ بأسباب الرفعة والوحدة والتقدم إلا أن الآخرين يعملون بها ونحن ننظر، وننتظر، فهذه مرحلة حرجة جدا من عمر الأمة وهي بحاجة إلى بذل كل الجهد واتباع كل الوسائل للخروج من هذا الواقع المؤلم المر، ولا يكون ذلك إلا بالرجوع الحقيقي إلى الكتاب والسنة والعمل بهما بجد واجتهاد والأخذ بكل أسباب التقدم والازدهار والبعد عن أسباب الخلاف والاندحار، وهو أمر يحتاج وقتا وجهدا كبيرين ولكن لا بد لمن أراد الوصول إلى القمة أن يتحرك ولمن أراد المجد أن يأخذ بأسباب الوصول إليه، ولا أحق بذلك من أمة كتابها القرآن ومنهجها الإسلام العظيم.
فجوة عميقة
ويشير الدُّكتور المُعتزّ بالله السَّعيد الأستاذ في كُلِّيَّة دار العُلُوم بجامعة القاهرة إلى أن الواقعُ مُؤلمٌ إلى درجةٍ كبيرة ؛ تفرضُهُ الفجوةُ العميقةُ بينَ الشُّعُوب من جانبٍ، والحُكُومات والأنظمة العربيَّة من الجانب الآخَر، إضافة إلى َ نظرةَ الكثيرينَ من السَّاسة وأولي الأمر إلى مواقعهم باعتبارها تشريفًا لا تكليفًا، الأمرُ الَّذي يؤدِّي إلى اتِّساع دوائر الخلاف على حساب ما تحتاجُهُ الشُّعُوب. ولا سبيلَ للخُرُوج بأمَّة الإسلام من الشَّتات والفرقة إلَّا بالعودة لكتاب الله وسُنَّة نبيِّه - صلَّى الله عليه وسلَّمَ - في أقوالنا وأفعالنا وجوانب حياتنا؛ مع إحياء المبادئ الرَّاسخة للإسلام الحنيف وضبط مفاهيمِهِ من الصِّدق والتَّعلُّم والعمل والسَّعي والجهاد، والاجتهاد انطلاقًا من أحكام الشَّريعة الإسلاميَّة ومُراعاةً لفقه الواقع ومُقتَضَى الحال.
التكامل والتقارب
ويرفض الأستاذ أحمد صلاح محمد هاشم المحاضر في اللسانيات الحاسوبية وعضو جماعة اللغويين العالمية وعضو جماعة هندسة اللغة ومحاضر بأكاديمية حاسوبية وضع تصور مسبق بأن المجتمعات الإسلامية متأخرة بعكس المجتمعات غير الإسلامية، وقال: إن هذه صورة تكذبها المشاهدات الحياتية؛ فالسعودية مجتمع مسلم، والإمارات مجتمع مسلم، وإندونيسيا مجتمع مسلم، وكذلك ماليزيا، وغيرها.. إن دولا كهذه أثبتت أنها قادرة على المنافسة الحضارية، ومضاهاة أعظم الدول في مجالات العلم والثقافة، والاقتصاد وشكل الحضارة والنهضة، وأكدت بما لا يدع مجالا لشاكٍّ، بأن العبرة في طبيعة البلد نفسه، وفي حرص حاكميه على مجاراة الجديد في كل فنٍّ، ووعي قادته بمشكلات مجتمعاتهم وقدرتهم على مواجهتها.
ويضيف إن مشكلة بعض بلدان العالم الإسلامي هي مشكلة عامة تشترك فيها المجتمعات الإسلامية مع غيرها.. لكن ربطها بالإسلام مخيف في حد ذاته، وكأن غامزا يقصد أن يشير إلى علاقة ما بين الإسلام وتأخر هذه البلدان، وهذا ما نرفضه جملة وتفصيلا، ونؤكد على وجود بلدان مسلمة متزنة وقادرة على الاستجابة لطموحات شعوبها مجتمعة، لا سيما المملكة العربية السعودية، خاتماً حديثه بالقول: إن الطريق الوحيد (من وجهة نظرنا) لكي تجري معالجة عثرة تأخر بعض بلدان العالم الإسلامي هي في التكامل والتقارب، وإعطاء الدول المتقدمة في العالم الإسلامي وصفة نجاح لبقية بلدان العالم الإسلامي.
جهل واتباع الهوى
ويشير الدكتور حسن حميتو أستاذ التعليم العالي المساعد بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة ابن زهر في أكادير بالمغرب أن ما تعانيه كثير من بلاد العالم الإسلامي من فتن واضطرابات وأزمات مرده بالأساس إلى الجهل واتباع الهوى، والبعد عن العلماء الهداة الذين يوجهون شباب الأمة في ظلمات الفتن، مما أوقع هؤلاء الشباب في مصايد المغرضين الذين وجهوهم كما يشاؤون لتحقيق أغراض في نفوسهم، ولا علاج لمشاكل الأمة على اختلافها وتشعبها، ولا وحدة لصفها، ولا صلاح لأمرها إلا بما صلح به أولها وهو الرجوع إلى كتاب الله والاعتصام به، والتحاكم إليه، فهو ضامن ألفة الأمة واستقرارها، وجامع كلمتها وموحد فرقتها، مع لزوم غرز أهل العلم الربانيين، والصدور عن توجيهاتهم في كل صغيرة وكبيرة.
أعظم القضايا
ويؤكد الدكتور غانم قدوري الحمد الأستاذ بكلية التربية في جامعة تكريت بالعراق أن هذه القضية من أعظم القضايا التي تهم الأمة الإسلامية، وأكثرها خطراً على واقعها ومستقبلها، وتستحق وقفة طويلة من علمائها وقادتها وأهل الرأي والفكر والسياسة فيها، وبغض النظر عن أثر العامل الخارجي في تأجيج الصراعات بين مكونات الأمة وزرع الفتن بين دولها ومكوناتها، ويضيف قائلاً: إن هناك عوامل داخلية أدت إلى ما نشهده من اضطرابات وفتن وحروب، وفي مقدمتها: التطرف والغلو الذي أدى إلى بروز النزعة التكفيرية لبعض مكونات الأمة، والتعصب المذهبي والطائفي، الذي أدى إلى نزاعات وحروب استنزفت كثيراً من ثروات الأمة وطاقاتها البشرية، والظلم الذي مارسه بعض الحكام أدى إلى هدر طاقات الأمة وهجرة عقولها المبدعة، وإلى رد فعل غير متزن ممن تعرض لذلك الظلم وشعر به، فالأمة الإسلامية من أغنى أمم الأرض في خيراتها ومواردها وموقعها الجغرافي، ويمكن أن يكون أبناؤها من أغنى وأسعد أهل الأرض، بدل أن يكونوا من أفقرهم وأكثرهم معاناة من الفقر والجهل والمرض، ويمكن أن تكون أيضاً في موقع الريادة في العالم كما أراد الله تعالى لها: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} (110) سورة آل عمران، وكما كانت في عصور ازدهارها.
وانتهى إلى القول: إن من أهم ما يسهم في خروج الأمة من أزماتها الراهنة: إشاعة الفكر الوسطي في مواجهة الغلو والتطرف، وإشاعة روح الأخوة الإسلامية والتسامح بين مكوناتها في مواجهة التعصب، وإشاعة العدل والإنصاف في مواجهة الظلم والعدوان، وإشاعة النزعة العلمية في مواجهة الجهل والتخلف.
وهن الأمة وضعفها
ويبيّن الشيخ عبد الهادي لعقاب إمام وخطيب المسجد المركزي مسجد الفرقان بالعاصمة الجزائرية والأستاذ بكلية العلوم الإسلامية بجامعة الجزائر، وعضو لجنة تصحيح المصاحف أن أمتَنا اليوم قد حلّ فيها النكال، وحاط بها الوبال، وغشّاها الذلّ والصغار، ونبت في أهلها العار والشّنار، ولم تبلغْ في عصر من عصورها، ولا زمن من تاريخها، الذلّةَ التي تعانيها في هذا الزمان؛ فالنهبُ مستشرٍ في خيراتها، والسلبُ حالٌّ في جنباتها، والتشتّت تأصّل في أهلها، والتشرذم عدا في أبنائها، والنفاق عشّش في صفوفها، والهرجُ صار عادة، والمرجُ غدا عبادة، والعدوّ جاثم على جسدها لا يأذن لها أن تئنّ، وإن لم تداركْنا نعمةٌ من ربنا لنُبذْنا في هوّة الضياع، ومزبلة التاريخ.
ورأى أن العلاج الأمثل في مصابنا هو هبّةٌ صادقةٌ من أبناء الأمة لإماطة هذا الوهن، ورفع غشاء هذا الذلّ، وذلك بصدق الرجوع إلى الله سبحانه، والتضرعِ إليه، وحُسنِ عبادته، ثم بجهود متضافرةٍ للمّ الشمل، ورأبِ الصدع، وتوحيدِ الكلمة، ونبذِ الخلافات التي أنبتها الأعداء، وغذّاها المنافقون، ثم بعزيمة مضّاء، وهمةٍ قعساء، لنشرِ دين الله في الأرض، بتحبيب تعاليمِه للناس، وتقريبِ سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - إليهم.
نحن السبب بالضعف!
أما الدكتورة سماح عبد المنعم عبد السلام المتخصصة في التاريخ الإسلامي فقالت: السبيل الأمثل لخروج الأمة من حالة الشتات والتشرذم يقع على عاتق الحكومات العربية والإسلامية فيجب أن ينظر كل حاكم مسلم أنه مسئولٌ عن المسلمين عامة وليس عن بلده فقط، والاستعداد الكامل للوحدة ويمكن تنفيذ هذه الخطوة بإلغاء الحدود بين الدول العربية وفتح قنوات عربية للتعارف والتواصل العربي وإصرار الحكومات على مواجه التحديات الخارجية بكل قوة وثقة وكذلك تحديد أسس التعاون العسكري المشترك ليصبح العرب جميعهم دولة عظمى كما كانوا وننسى الخلافات الشخصية ونفكر جميعا بالمصلحة العامة. ونتذكر دائماً أننا السبب الرئيسي لحالة الضعف والتخاذل عندما خضعنا للغرب رغم أننا أصحاب حق ونملك القوة.