بعض المواقف تُفسر بسطحية على أنها شجاعة وإقدام وقوة.. وصورة الإنسان المعارض في كثير من الأذهان لها وهج ومثيرة للإعجاب أيضاً.. لكن! عند وقفة تأمل بسيطة قد يخبو إن لم ينطفئ بالكلية.. وتكتشف كمية المراهقة المتخفية تحت جلباب الاعتراض.
ولك أن تسأل: متى يملك الاعتراض على وضع.. أو قرار.. كمية من الاحترام تخوّله أن يكون مسموعاً قبل أن تدهشك فصاحة اللسان؟
إن كان فعلاً يقف بثبات على قاعدة الفائدة العامة.. بيده نقد بناء.. وباليد الأخرى حلول ممكنة تلفت انتباه المسؤولين.. أما ما يحدث غالباً لدى المعارض أن رغبته تكشف عن عورة تصرخ «أنا هنا.. لا يعجبني شيء.. وأنا المختلف.. القوي.. الصريح» وهو في الحقيقة قارع الطبول الذي لم يحفظ لحناً لكنه يجرب في كل مرة.. ويكون سبباً لصداع مزمن.. ويلقي العوائق في الطريق وينساها.. يثير فوضى الثقة بين الجموع.. ويدمر ما استطاع من خيوط التواصل.. فأين للحوار أن يستمر وأحدهم ينتهز في كل فرصة أقرب مقص يمكنه أن يقطعه!
إذا أردت أن تحشره في زاوية.. أطلب منه أن يقدم الحلول التي يراها وكيف يمكن تطبيقها.. ستجد كمية من الهراء كافية لإثارة الفريق ليقول له عوضاً عنك «اخرس».. فالتخطيط لغة صعبة عليه.
أما إن أردت تمزيق طبوله.. فاسند له مهمة التنفيذ.. سترى غبار الأعذار خلفه تنتفض وتتطاير.. وتسويف قد ينتهي بهروب مخجل.. كهروب الجبان من ساحة المعترك.
لكن إن هاجمته وقسوت عليه.. سترى كيف تنساق لقضيته العواطف.. وتخسر فريقك وجمهورك.. لأن الجماهير لديها ميل غريزي لرحمة من يقف في مكان الضعيف.. ولن ترى في القوي إلا الجبروت والظلم.. عندها لن تستطيع جمعهم تجاه الهدف العام.. وستتحول القضية كلها إلى تصفية حسابات شخصية.. وتتجه المنظمة إلى هاوية الصراع الممتد دون نهاية.
لذا تعلم كيف تمنح المزعجين رصاصة رحمة يطلقونها على ضوضائهم بأيديهم وليس بيدك.. ففي الأولى أنت صياد حكيم.. وفي الثانية تحول نفسك إلى طريدة تركض للفخ بأعصاب مضطربة.. وحتماً ستقع.