ولي أمري ليس أدرى بأمري. بل أريد ويحق لي تولي أمري وإدراة شأني بنفسي. هذا ما قالته أكثر من سيدة، عبر نافذة البرنامج الإعلامي الحقوقي «بدون شك» تقديم الماسترو محمد فهد الحارثي على قناة الإم بي سي.
والجدير بالملاحظة أن هذا المطلب جاء على لسان أكثر من امرأة في هذا البرنامج ومثله أو معناه في بعض حلقات البرنامج الشعبي المطالبي المميز لداود الشريان. وهو قول لم يأت من «نخبة أكاديمية أو كاتبات» لا تريد الاحتكام إلى العرف والعادات والتقاليد والقراءات الفقهية الأحادية, كما قد يظن البعض إما استكثارا لفكرة أن عموم النساء من النضج ليردن رفع الوصاية أوتأثيما لمن ينادي بالحاجة إلى إعادة النظر في نظام الوصاية على النساء. بل إن هذا النداء جاء من أواسط اجتماعية متوسطة ومادون متوسطة تعليمها لايزيد على التعليم الجامعي ولكن ثقافتها في إنسانية النساء واسعة وعميقة فما كان قولهن: «أريد تولي أمري بنفسي» إلا نتيجة تجارب حقيقية موجعة وفاجعة مرت بهن وألحقت بكل منهن أقسى أنواع الإهانة وهدر كرامة الأنثى الإنسانية وسلب الحقوق الأساسية في النفس والمال وفي التمتع بأهلية المواطنة والعيش بعزة وأمن على أرض بلادها لمجرد أن ولاية أمرهن كانت بأيدي الغير. ولم يكن آخر النساء ولن يكون تلك السيدة التي عرض البرنامج الحلقة الأولى من قصتها الدامية على الملأ الأسبوع الماضي التي كان بطلها الثاني الظلم البواح الذي يقع على النساء بسبب نظام الولاية. أما بطلها الأول دون منازع فكان غياب القانون الذي يحمي النساء من ظلم ذي القربى ممن يخولهم ذلك النظام بالوصاية, دون أهلية أو وجه حق سوى صلة قرابة لايخافون الله فيها, على نساء آهلات راشدات بالغات أحرارا.
والواقع أن تلك النداءات الجارحة ليست إلا غيض من فيض حناجر نساء جرحتها المعاناة من العيش في كنف «ولي» ظالم مع أنها قد تكون هي من تقوم بالصرف عليه وإعالته كما في حال بعض الأزواج أو سواهم من محارم يفتقدون أهلية إعالة أنفسهم ومع ذلك فالقانون يخولهم التحكم بالمرأة التي تعولهم. ومن واقع عملي كباحثة اجتماعية ومتابعتي ككاتبة رأي وباستشعاري وضميري كمهتمة بالشأن الوطني أستطيع أن أؤكد اتساع نطاق هذه الإشكالية الاجتماعية والقانونية معا، واستشرائها في جميع شرائح المجتمع. فنجد أن المرأة الغنية والمرأة الفقيرة، المرأة المتعلمة تعليما عاليا والمرأة المتعلمة تعليما عاما, المرأة العاملة من الطبيبة إلى «المراسلة» والمرأة التي تواجه البطالة أو تعمل بدون أجر كربات البيوت، المرأة الشابة والمرأة المسنة ولو بلغت مافوق الستين كلهن بدون استثناء لابد أن يواجهن في لحظة من حياتهن بمواقف صعبة وبعضها يومي ومؤلم بسبب الوصاية عليهن من قبل الرجل القريب. وهي ليست مجرد مواجهة روتينية بل إنها مواقف تكتشف فيها المرأة أنها معطلة «رسميا» في حركتها ومعطلة في قراراتها الشخصية ومعطلة اقتصاديا وصحيا وتعليميا لو شاء ولي أمر «طاغ» حرمانها من العمل أو التعليم أو إجراء عملية أو السفر أو الزواج. فهي لاتعامل كمواطنة كاملة الأهلية تملك حق التصرف بمصائرها الصغيرة والكبيرة كمواطنة سعودية راشدة, مادام وهذه مفارقة رمزية حتى استخراج بطاقة الهوية الوطنية لايتسنى للمرأة أن تتقدم به مالم يصحبه موافقة خطية من الوصي أو من يسمى بولي أمرها. ونفس الواقع المتنكر لأهلية النساء الوطنية يجري وبصورة أفدح لو أرادت المرأة استخراج جواز سفر لها أو لأحد أبنائها أو بناتها حتى لو كانوا في حضانتها, ناهيك عن ذلك النظام التيسيري ولكن الذي يتيح ابتزاز المرأة من قبل بعض الأوصياء وهو شرط البطاقة الصفراء لسفر النساء ولسفر الأطفال إذا لم يكن الأب في معيتهم مع أن هذا الشرط كان في ظروف غير ظروف القرن الواحد والعشرين.
الأمر الملفت ما قبل الأخير الذي أريد أن أتوقف عنده كمفصل من مفاصل هذا الموضوع الحيوي والملح هو الكيفية التي يجري بها عادة حل جناية الوصاية الظالمة على النساء ممن يحالفهن الحظ في الوصول بشكواهن إلى تلك البرامج الاجتماعية المعبرة. فالحل الذي تقدمه تلك البرامج في أغلبها لهذه الإشكالية الشائكة هو حل إعلامي وليس حلا قانونيا. فمثلا في حالة السيدة التي عذبها ولي أمرها بوصايته عليها. فقام العم الوصي بعضلها /منعها من الزواج رغم اقترابها من منتصف الثلاثينات, ورغم وجود الخطيب «الكفو»، كما قام بمنعها من السفر بعدم استصدار جواز سفر لها أو الامتناع عن تجديده, لم يكن في يد فريق البرنامج كاملا بما فيه المستشارين القانونيين أي حل قانوني يحل المشكلة من جذورها سوى تقديم الضغط الإعلامي أمام عم كان يصرخ: لا أنتم يافريق البرنامج «منتم» بأولى بها مني ولاهي أعرف بمصلحتها مني «فأنا عمها ولي أمرها». فحق السيدة كان يوشك أن يضيع نهائيا بعد أن ضاع لسنوات لولا أن قضيتها عرضت على قناة فضائية.
ومثلها مأساة سيدة أعرفها عن قرب جدا, وهي كانت برفيسور في أكبر جامعة بالبلاد في تخصص علمي مرموق قبل أن يصيبها سرطان شرس، إلا أنها لفت السبع لفات ولم تفلح في استصدار جواز سفر لنفسها بنفسها لأن ليس لديها ولي أمر بعد وفاة أخيها الذكر الوحيد الذي كان باقيا في العائلة. فقد دخلت بعد أن تقدمت للجوازات ورفض طلبها في مسلسل تحويلها من محكمة إلى محكمة ومن قاض لقاضي رغم اعتلالها الصحي الشديد مدة تزيد على سبعة شهور قبل أن يقولوا لها لايحق لك استخراج جواز سفر مادام ليس لديك ولي أمر. وهذه القصة حقيقية وبطلتها مواطنة سعودية راشدة عاقلة مربية أجيال «دكتورة» من لحم ودم. وحين قالت للقاضي: «طيب أوكلك لتكون أنت ولي أمري قال لها بإصرار» الولاية تكون للقاضي أو للحاكم فقط في حالة عقد زواج من لا ولي أمر لها». وأختم بأن أضع هذا الموضوع الملح على طاولة سمو وزير الداخلية وعلى طاولة وزير العدل وعلى طاولة مجلس الشورى مع سؤال بسيط: ماالذي ومن الذي وإلى متى يمنع نساء راشدات عاقلات من نيل حق أساسي ومبدئي من حقوق الإنسان بالمجتمعات المعاصرة وهو الحق في أهلية المواطنة؟.
وأخير فالوصاية ربما كانت صالحة أوحتى واجبة بشروط مكان وزمان غير الذي نحيا فيه اليوم.، فاليوم الدولة وقوانين المواطنة هي التي يجب أن تكون المرجع لتولي كل مواطن ومواطنة أمره/ها بنفسه/ها دون تلك الوصاية المعيقة لآدمية النساء ولحقهن في مواطنة حرة كريمة. هذا ولله الأمر من قبل ومن بعد.