المحطة الأولى
- هناك سؤال أثيرٌ على نفسي يشتبك من خلاله الشأن الشخصي والشأنُ العام، همّاً وأرّقاً، فعلى الصعيد الشخصي، لا شيءَ يؤرقني الآن سوى تكثيف الاهتمام بصيانة مكاسبي الصحية في أعقاب الأزمة التي تعرضت لها في أواخر العام قبل الماضي، وتجاوزتها بنجاح بعون من الله وتوفيقه، ثم باهتمام المقرّبين إليّ، وخاصة رفيقة عمري زوجتي حفظها الله.
* * *
- أما على الصعيد العام، فتُؤْرقني حالةُ القلق والتمزق المخضب بالدماء التي تعيشها بعض أجزاء الوطن العربي، والتجاذب السياسي العنيف مقترناً بانفلات أمني مريع! واسأل الله ربَّ العرش العظيم أن يديم على بلدنا الأمين أمنَه ورخاءَه واستقراره، وأن يجنّبه شر الفتن، ما ظهر منها وما بطن، وأن يُلهمَ قادتَه الكرامَ كلَّ ما فيه الخير خدمة لهذا الوطن
* * *
- حقاً .. إنه زمن أغبر هذا الذي تعيشه أمّتُنا العربية، بدأت (بمسرحيات) دامية سُمَّيت ظلماً (الربيع العربي)، ولا أعلم حتى هذه اللحظة لِمَ أقُحْمَ (الربيع)، أحدُ أجمل فصول العام، إن لم يكن أجملَها أطلاقاً، لكنَّها معادلة الشقاء التي رُزِئَ بها وطنُنا العربي، بدءاً بسخريات (الربيع العربي) وانتهاءاً بـ(داعش) التي يحشد العالم الآن قواه لدحرها ووأدها في مهدها، وما ذلك على الله بعسير!
المحطة الثانية
- من يتابع (مسلسل) نشرات الأخبار هذه الأيام، مسموعة كانت أو مقروءة أو مرئية، يناله شيءٌ من غثيان يعصر احشَاءهَ، وألم يهزُّ وجدانَه! وينازعه وسواس خناس بأن العالم قد تحول إلى وادٍ تقطنه الوحوش، أو غابة يجرى على سواريها الدم والدمع!
* * *
- يا إلهي .. ماذا يسمع المرء وماذا يقرأ.. وماذا يرى؟! (رواية) متصلة الحلقات من النوائب، بعضُها (كوارث) ضحيتُها الإنسان، وبعضها الآخر من صنع الإنسان نفسه ضد قرينه الإنسان!!
* * *
- فهذه حربٌ سجالٌ بين فئتين اختلفتا .. إمّا حبّاً في المال .. وإمّا سطوة في الرأي، أو لأمور أخرى يعلمها الله، فتوظف أحداهما الساديةَ الجاهليةَ لتُمطرَ الأخرى سعيراً من نار تقتل وتجرح وترمّل وتيتَّم وتشرّد .. لا ترحم عبرةَ طفل، ولا عفافَ امرأة ولا كبرياء شيخ، وتحيل ما بنَاه الإنسان في سنين دماراً، وتغدو مدنُه أطلالاً يترددّ في احشائها شهيقُ الرياح!
* * *
- وتتساءل قبل ان يغادرك صوابُك : لِمَ يجُورُ الإنسان على نفسه، ويحصد لها شوكَ الأذى، بأشكاله، الحسية والمعنوية؟
* * *
- حتى بعض أفلام الكرتون لم تزل تنفث سمومها ممثلةً في (توم اند جري) يتعلم الطفل منها أوضار المكر والخديعة والإيقاع بالغير .. وتغرس في وجدانه معنىً يجسّد قولَ الأولين وفعلَ الآخرين: (إذا لم تكُنْ ذئباً.. أكلتْكَ الذئاب)! أغاية الدنيا، في مخيلة طفل بريء، يحلم بدفْء الشمس وحنان القمر ووعد الغد، أن يكون (ذئباً) يذودُ عن نفسه مكر الذئاب؟ ماذا بقيَ له من فضائل الدين والأخلاق والـمُثُل الصَّالحة ؟! وإلأ نكى من ذلك والأمرّ، بعضُ أفلام هذا الزمان، ففيها الكثير الكثير مما لا يحضّ على الخير لا يحّرض ضد الشر، بل يستثمر نزعة البأس العنيف أو شهوة الوجدان الضعيف إثارةً للعقول، واستدراراً للجيُوب، فإذا أنكر المرءُ أو استنكر شيئاً من ذلك قيل له :(الناس يريدونها كذلك)!!
* * *
- إذن .. فإلاَمَ يلجأُ العقلُ هَربا من (سياط) نشرات الأخبار التي لا تسلّي ولا تسّر؟! إلاَمَ تفرُّ الروحُ التماسا للسّكينة، إذا كانت أنباءُ الحُروب والفتنِ والجريمة تُلاحقُه في مجْلسه ومخْدعه ومكْتبه وعربته وحتى وهو على متن الهواء طائراً؟!
* * *
- ما الحلّ ؟ لستُ أدري ! لكن .. اسألوا حُكَّامَ الأرض وحُكَمائَها، اسألوا أهل العلم والعلماء فيها.. فقد يكون لدى بعضهم شيءٌ من حل!!
- أمّا أنا فسأظل أحلمُ بيوم تُبثَّ فيه نشرةُ أخبار تَتَحدّث عن فَرح جديد أو إنجاز جديد للإنسان يُنسيه ما كان، ويرفعُ من خلاله وردةً بيضاء انتصاراً لنفسه على نفسه!