* يعج مجتمعنا بمظاهر تنبئ عن قدر من تخلف أصحابها قولاً أو عملاً أو تعاملاً أو قيافةً، ويشترك في هذا النمط من السلوكيات بعض المواطنين والوافدين سواء! وظواهر كهذه هي في صُلبها إفرازات لبعض آليات التشكّل الاجتماعي والتربوي والسلوكي، ولا ينفرد مجتمعنا بهذه المظاهر، لكن لها حضوراً في مجتمعات أخرى، بقدر لا يخطئُه بصر ولا يغيب عن بصيرة.
* وأقصد هنا بـ(التخلّف) كلَّ سلوك تنكرُه الفطرةُ السَّويةُ والحسُّ السّليم، لا فرق في ذلك أن يكون السلوك مسيراً بالقصد أم بعشوائية الجهل التي تصب مخرجاتها في وديان التخلف.
* هاكم قرائي الكرام أمثلة لما سبق ذكره:
1- كلُّ مَنْ يَمْثُل بين يدي الله في بيت من بيوته المباركة.. مرتدياً (حلةَ نوم).. مُشَيّعاً بروائح ينفرُ من أذاها الخشُوعُ فهو متخَلّف، ولو ذهَب ذلك المخلوق أو (المخلوقة) لِلَقاء ذي شأْن يرغبهُ أو يرهبُه، لارتدَى أبْهى ما لديه.
2- وكلُّ مَنْ يقُود سيّارته رياءً أو مباهاةً مثلَ ريحٍ صَرْصَرٍ عاتٍ، كأنّه سَيخرق الأرضَ.. أو يبلغُ الجبالَ طُولاً.. فهو متخلّف.
3- وكلُّ أبٍ (يفوّضُ) الشَّارع مهَمة (تربية) أبنائه، فلا يأمُرهم بفضيلة.. ولا ينْهَاهم عن منكر.. فهُو متخلَّف.
4- وكلُّ مَنْ يُعَاملُ المرأةَ أو يتعاملُ مَعَها.. وكأنّها وعاءٌ نجسُ.. فهو متخلَّف! يذكرُها، فيرْدفُ ذكرَها بعبارة (أكرمك الله)! وهي التي كرّمها اللهُ.. من رجْسِ الجاهلية.. وظُلم الجاهلين.
5- وكلُّ مَنْ يبْصق في مكانٍ عامٍ يؤُمُّه الناسُ، أو يَسْعونَ فيه.. فهو متخلّف.
6- وكلُّ مَنْ يُنفقُ المالَ يُسْراً على نزواته.. الظاهرة والمستترة، لكنه يضنّ به عُسْراً على مَنْ يعُولَ شَرْعاً.. أو على دربٍ من دروبِ الخير أو على ذي الحاجة وابنِ السَّبيل.. فهَوُ متخلَّف.
7- وكلُّ مَنْ يقْلق الجارَ بنفَاياته أو سيّاراته أو أذى أطفاله، فهو متخلَّف، فإذا جُوبهَ فعْلهُ بالمثْل (احتّج) بأن للشَّارع حرمةً تَتَّصل بحرمة أهله.. واسْتَشْهد بنفسه مثلاً مُحلَّلاً بذلك ما أنكره على غيره.
8- وكلُّ مَنْ يتعاملُ مع مرفقٍ من مرافق الدولة الذي أنْشّأتْه لخدمة الناس وراحتهم.. وكأَنّ بينَه وبين مَنْ أنْشأهُ خصومةً أو ثأراً.. فهو متخلَّف! فإذا ذكّرته أو أنْكرتَ عليه سوءَ فعله.. أسْمعَك من القول ما تكْرهُ.. وقَذفَك بالتطفّل فيما لا يْعنيك.
9- وكل من يتمدد في المجالس بلسانه نقداً لهذا أو هجاءً لذاك.. أو استخفافاً بثالث أو طعناً في كرامته.. فهو متخلّف.
10- وكل من يسمعك من الحديث حلاوة، مادحاً لك بما لا ترضاه غلواً أو تزلفاً أو نفاقاً، فهو متخلّف.
وبعد:
* فقد يكون (التخلف) اصْطَلاحاً مُثيراً للجَدَل في أكثر من زمانٍ أو مكانٍ، تبَعاً لتَبايُن الثقافات وقوالب الطبَّع.. ومعَايير السُّلوك. لكنّ الصُّورَ التي أوردتُها في هذا الحديث.. وغيرُها كثير، لا أخالها تثير جَدَلاً ولا خَلافَاً في أيّ بقْعَة من بقاع الأرضِ، وهي صورٌ لا يقرُّها إلاّ كلُّ ذِي فطرةٍ مريضةِ أو عَقْل سَقيم.
والله المسْتعانُ على ما يقولون ويفْعُلون،،،