لا يمكن القفز على منحنيات وعرة تاريخيا، دون الوقوف على النقطة الأبرز في الإصدار الأخير - للخليفة المزعوم - أبي بكر البغدادي، بعنوان: «ولو كره الكافرون»، عندما جعل هدف أمن السعودية أساسا لتنظيم داعش الإرهابي؛ مستفيدا من الأداة السياسية،
والمكون الاجتماعي، والذي تحضرهما أطراف إقليمية، ودولية في هذا الجانب؛ رافعة له، وداعمة، بل ومحفزة؛ من أجل إعادة إنتاجه.
على الرغم من أن كل المنعطفات التاريخية التي مرت بها السعودية، كانت تتقاطع مع الإرهاب، وهذا ما يؤكده البيان الأخير، حين سمّى - الملك - عبدالله بن عبدالعزيز الأسماء بمسمياتها، بقوله: «قد بليت مجتمعات الأمة في هذا العصر بجماعات، وتيارات متطرفة، تمارس الإرهاب، والعنف، تحت عناوين دينية وسياسية، والدين بريء من الإرهاب، والعنف السياسي يدمر الأوطان»، إلا أن الأطراف المستفيدة من هكذا تنظيمات متطرفة، كانت ترى في هذه الجماعات الإرهابية، وبتعبيرها المسلح عن الفكرة المتطرفة، ومنزعها العقائدي المشوه؛ ليكون هدفها زعزعة استقرار السعودية، ونشر الفوضى فيها، وإلصاق تهمة الإرهاب بها، ومن ثم العمل على ضرب نفوذها الدولي.
لا يمكن نجاح الحرب على الإرهاب دون دور سعودي فاعل، والاستفادة من حراكها غير المسبوق في ملف الإرهاب. والمتأمل لقراءة المشهد من الداخل، يدرك أن إستراتيجية السعودية تجاه الإرهاب، وقصة التطرف، والأصولية، بدأت مبكرا معها، كما يقول - الأستاذ - يوسف الديني، ويمكن إرجاع بذورها التاريخية إلى اللحظة الحاسمة التي اصطدم فيها الملك المؤسس مع مجموعات راديكالية عقائديا، وصولا إلى لحظة جهيمان، وهي مرحلة فاصلة، انتقل فيها التشدد الديني من المعارضة إلى استهداف بنية الدولة، - ولاحقا - لحظة حرب الخليج الفاصلة، التي كانت السعودية فيها على مفترق طرق، إلى أن جاء القرار الحكيم من العاهل السعودي آنذاك - الملك - فهد بن عبد العزيز - رحمه الله -، الذي جنب به المنطقة كارثة كانت محدقة.
وفي الطور الثاني من الطريق الطويل في المواجهة مع التطرف، جاءت موجة القاعدة؛ لتدشن عصرا جديدا من المواجهات، منذ تفجيرات الرياض 1994م، التي كانت - بلا شك - إنعطافة خطرة في المعركة مع الإرهاب، حيث حضر هذه المرة - اسما ومعنى وحقيقة -، وكان من المهم حينها، أن تخرج الدولة من التعامل مع الأزمات، عبر ردود الفعل، إلى إستراتيجية مبنية على قراءة دقيقة للحالة.
إن التأسيس لمواجهة جديدة، تطال مع الأفكار الضالة المجردة حالة التطبيقات الدموية على الأرض، سيحقق نجاحا معترفا به في التصدي لفكر الإرهاب، بعيدا عن التضليل، والمخادعة، والذي سيجنبنا - بإذن الله - ما تعانيه دول أخرى، تعيش - اليوم - تحت وطأة التطرف، والتشدد، بعد أن أرغمت على التعايش مع تلك الأفكار الضالة كجزء من ثقافتها اليومية، فكانت النتيجة أن أفسدت تلك الجماعات المتطرفة في الأرض، وهددت الضرورات الخمس التي أمر الله بحفظها، ووضع حدودها، ورتب العقوبات على من انتهك حرمتها.