قال الله عزَّ وجلّ: {وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين}َ
وقفت متأملة كلمة «التهلكة» ثم تساءلت: لماذا نلقي بأيدينا إلى التهلكة؟ وأي تهلكة تلك التي نلقي بأنفسنا فيها ونقع؟
أم أن التهلكة رمت نفسها بين يدينا؟. إذا كان الجواب نعم، فمتى ترمينا؟ ومتى نرمي أنفسنا؟ ومتى ترمي نفسها بين يدينا؟
***
هناك رؤية تقول: إننا نشترك مع التهلكة في الأمر، فتارة ترمينا وأخرى نرمي أنفسنا.
أما كيف..!!؟
فعندما نتوهم ترمينا، وعندما نحلم ولا نعمل نرمي أنفسنا، وعندما نكابر ترمي بنفسها بين أيدينا.
وفي النهاية هل نحن إلى الضعف إن ارتمينا، أو رمتنا، أو ارتمت؟
***
هَلَكَ (فعل): هلَكَ يهلَك ويهلِك، هَلاكًا وهُلوكًا ومَهْلَكًا ومَهْلِكًا وتَهْلُكَةً وهُلْكًا، فهو هالِك، والمفعول مهلوك - للمتعدِّي. هلاك الأمر يعنى فساده وهلاك الشئ يعنى عطبه فلكل شئ تهلكة، فتهلكة الجسم موته، وتهلكة النفس عذابها، وتهلكة النبات يبوسه، وتهلكة السلطان زوال أسباب قوته، وتهلكة العقل فقد التمييز أو الاعتماد على الرأى كبراً وغروراً، وقد نوقشت التهلكة وعولجت بأسلوب شرعي ومنهج ديني صرف, ولا ندري إن كان العلماء قد راجعوها من ناحية نفسية فلسفية بحيث يمكن للشخص تخطي الحاجز, والنجاة بنفسه من هاجس التهلكة.
ليس بالضرورة أن التهلكة تفضي إلى الموت.. الإعاقة.. المرض.. الجنون.. أو أي طريق آخر يضر بمن ألقى بنفسه إليها.. أو ألقت هي نفسها.. أو رمته.
وقد تكون التهلكة، تهلكة في نظر الآخرين, بينما في نظر من أصابته مكسبا، ونجاة روح، وحياة. كأسرة ترى في هجرة ابنهم عنها، وعن وطنه تهلكة فكرية، وعقائدية له، بينما يرى في هجرته استقرارا مكانيا يهيئ له حرية فكر طامع في الإنتاج بصورة مختلفة، ومنهجا جديدا، ومساحة انفتاح أرحب، في حين أن رؤية الآخرين قد تبدو قاصرة.. محدودة النظر. قال ابن عباس (لا يقولّن أحدكم لا أجد شيئاً أنفق فانفق لو عِقالاً ولا تُلقي بيدك إلى التهلكة).
***
شرعياً، الانغماس في المعاصي، تهلكة..
استهداف الوطن ومنشآته بسوء، تهلكة..
عدم رعاية النفس والأبناء رعاية صحية وفكريّة، تهلكة..
الوسواس وتوهم المرض، تهلكة..
وعندما نلقي بأيدينا فيها لا نكون على بينة تامة بكونها تهلكة أو ليست كذلك، ولا بمقدار ونسبة التهلكة التي سننغمس فيها.. وهل إذا انغمسنا سنكون قادرين على الخروج إن نحن أردنا وحاولنا!؟.
التهلكة، هلاك وموت وسقوط، ربما أيدٍ ترمينا، أو نرمي بأيدينا فيه، أو يرتمي بين يدينا.. فكيف بمن هلك عن بينة؟
أو كيف بمن يحلم، وبالأحلام، ومعها يعيش، فإذا انتبه، انتبه على هلاك لا مخرج له، ولا مفر منه.. وتختلف هنا أحلام المنام.. عن أحلام الواقع والصحو..!!
أحلام المنام منها ما قد يفضي إلى موت مع من تقلّبهم أحلامهم ذات اليمين وذات الشمال.. وتسير بهم، ربما من مرتفع فيقعوا وقوعا مهلكا.
أحلام المنام قد تفضي إلى التهلكة مع من يترجم الواقع أحلامهم، فتتحقق، إن لم تكن جميعها.. فجزء منها.
إذاً قد نفر من التهلكة.. أو نفر إليها.. والإشكالية التي نخافها عندما تفر التهلكة إلينا، مرتمية علينا بثقلها كلّه.