أيّ طرف محايد قارئ للتاريخ الفارسي. سيدرك تماماً مدى الكره والعداء الفارسي للعرب.. وإن دولة فارس تحاول بشكل مستميت أعادة مجدها الغابر.. وهي تعرف جيداً أن هذا من دواعي المستحيل. لكنها لم تيأس، فبنت خططها وفق إستراتيجية التغلغل مبدئياً في خلخلة النسيج العربي لفك قطب النسيج وغزله بمغزل فارسي بشكل دؤوب.. فتمكنت الملالية الفارسية من حياكة النسيج بكل مهارة، فقوضت حكم الشاه محمد رضا بهلوي. وهروبه منفياً لمصر لحين وفاته.. ومن ثم مجيء الخميني وتوسع دائرة الحلم الفارسي، الذي كان يراود الأصولية الملالية في قيام الإمبراطورية الفارسية، زعماً بـ -المهدي المنتظر- بتصدير الثورة الخمينية للدول العربية.. مما قامت على أساسه الثورة العراقية الإيرانية عام 1979 ثماني سنوات ووقوف الخليج بقضه وقضيضه في مساعدة الرئيس صدام حسين ليبقى صامداً في وجه الغطرسة الإيرانية الشرهة لإيقاف تصدير ثورتها.. وعندما انتهت أوزار الحرب وتورط إيران الملالية بأن تصدير ثورتها هي خطوط حمراء لا يمكن اجتيازها وتسويقها بالنسبة للخليج والدول العربية. قال الخميني مقولته الشهيرة «لقد تجرعت كأس السم».
لكن العرب ظنوا أن الأمر سينتهي عند هذا الحد، بموت الخميني.. لعل إيران بعد ويلات الحرب أن تغير من سياستها وطموحاتها الزائفة من تصدير ثورة أصولية غير مقبولة البتة. وبعد حرب قضت على الأخضر واليابس. تضرر منها الشعب الإيراني مثلما تضرر منها الشعب العراقي، وخزائن الخليج التي أغدقت على السلاح والمعدات الحربية لإيقاف جنون الثورة الخمينية.
هل اكتفت إيران الفارسية بهذا الحد.. أبدا، بعد حكم الخميني أتى حكم خامنئي. واتقاد النار الفارسية مجدداً. ولكن بطريقة أخرى ما بين التهديد والوعيد لجيران إيران والتدخل بشئونهم إلى العزف على إثارة النعرات الطائفية. وتوظيف الطائفية بشكل مغر وخصوصاً الأثني عشرية. والهدف التموضع بشكل طائفي فارسي في كل ما هناك من شيعة بالدول العربية.
وفي خطب خامنئي وصحافة إيران وقنواتها. كانت هي المحرض الأكبر في استمالة الشيعة الأصولية الفارسية.. وهو ما نعاني منه في وقتنا الحاضر في العراق ولبنان وسوريا حيث هي من يدير الحرب وليس الأسد التابع لها بحكم أنه ينحدر من أصول -علوية- كفرع من فروع الشيعة الإيرانية. وهذا ما كان عليه حافظ الأب الذي فتح لإيران أبواب سوريا تجارة وسياحة حتى أقاموا لهم حسينيات وفنادق ومستشفيات إيرانية كان من بينها المستشفى الكبير بالست زينب ولائحتة التي تقول: مستشفى الإمام الخميني. ناهيك عن المنتجعات الإيرانية في أنحاء سوريا.
العراق سلمته أمريكا لإيران المهيمنة على سيادة أرضه وقراره.. رغم رفض العراق للهيمنة ولكن هناك ولاءات موالية لإيران تعرقل انفكاك العراق من الفك الإيراني.. مثلما هو الجنوب اللبناني كمستعمرة إيرانية حيث حزب الله. وبمثل حوثيي صعدة وولائهم الفارسي ودعم إيران لهم بالمال والسلاح ودخولهم مع الدولة اليمنية بست حروب وغزوهم مؤخراً لصنعاء واحتلالها بتواطؤ المخلوع عبدالله صالح مع الحوثيين بعدما انقلبوا معاً على الاتفاق الخليجي لتشكيل حكومة مشاركة تضم كل الأطياف اليمنية.. فليس هناك بمستغرب فيما يحدث باليمن من انضمام عبدالله صالح للحوثيين. من منطلق العشم بالعودة للحكم وهو ما تروجه زمرته. ولكن مما يبدو حالياً أن المتمرد عبدالله صالح سينقلب على الحوثيين وفق خطابه الأخير بصنعاء وسط أعوانه ومحازيبه من طوائف أخرى تم شراء ذممهم بتكريس الفوضى باليمن.. لكن نتمنى أن الحكومة الجديدة تخرج من الأزمة بسلام. وهي التي بحاجة لمساعدة كما طلبت من دول الخليج ودول العالم مساعدتها، وكف أذى تدخل المخلوع الذي أصدرت هيئة الأمم حجز أمواله واثنين من الحوثيين الذين وراءهم إيران المؤيدة للانقلاب الحوثي على الدولة اليمنية.
التاريخ الفارسي حافل في كرهه وعدائه للعرب، فلا هناك مرجع تاريخي فارسي مالم يمجد الإمبراطورية الفارسية ومحاولة استعادة مجدها ولو بعد حين، وهذا الشيء مقروء في مادونه علماء فارس ومفكريهم وكتابهم. حتى يومنا هذا.. وهذا من حقهم. ولكن ليس على حساب العرب كم تزعم وتريد أن تحققه الملالية الفارسية.. للثأر من العرب الذين قوضوا إمبراطورية فارس ومحو شرها في ديار العرب.. الأمر الذي كان يتمناه شاه إيران محمد رضا بهلوي، بالسيطرة على الخليج العربي. لكن تباين وجهات النظر بين الشاه والملالية الفارسية، تحول لاختلاف وعداء. حينما أثار ملالية طهران الرأي العام على الشاه، مما جعله يزج بالكثير منهم في السجون وهروب -الخميني- للنجف ليمضي بها سبع سنوات ونفي صدام له ليهرب لفرنسا. والقيام بها وعودته وقيام الثورة العراقية - الإيرانية عام 1979م ولجوء الشاه لمصر حتى توفي بها.
من هنا بدأت بذور الشر الفارسية تأخذ طريقها للنمو. بعودة الخميني الزاعم بتصدير الثورة للخليج والدول العربية. ووقوف دول الخليج بدعم صدام في حربه مع إيران لثماني سنوات ودعمه بالمال والسلاح. وتكسير مجاديف الملالية الفارسية. وتوقف الحرب بين الطرفين باعتبار تكافؤ الطرفين بالحرب لا غالب ولا مغلوب. حينما طلبت إيران إيقاف الحرب عبر وسطاء دوليين. وأتذكر مقولة الخميني «لقد تجرعت كأس السم» فمات بسم حربه الغاشمة.
هل اكتفت إيران الفارسية بهزيمتها وكبح طموحها.. أبداً فبعد موت الخميني أتى -خامنئي- بإستراتيجية مغايرة.. هي محاولة تفكيك النسيج العربي وغزله بمغزل فارسي. بمعنى تحريك العنصر الطائفي الشيعي في كل مكان بالدول الخليجية والعربية. فاستمالتهم على أنهم شيعة من الملة الاثني عشرية، وعليهم التمسك بفارسيتهم. وهذا ما نسجت عليه خيوطها فارسية وغررت بالكثير من الشيعة بالدول العربية من أنهم ينتمون للفقيه الولي في قم وليس الدول التي يعيشون على أرضها، فألهبت مشاعر الأخوة الشيعة في كل مكان. فاستخدمتهم كوقود فارسي في محاربة العرب. وبعدئذ من المؤكد أنها ستتخلى عنهم بعد ما تنتهي مهمتهم وسوف تعتبرهم كشيعة تربوا في أحضان العرب لا يمكن الوثوق بهم.
إيران تبحث عن تحقيق طموحات عبر مكاسب -جغرسياسيه- لخمة مصالح قيام إمبراطورية فارسية وستبذل الغالي والرخيص في سبيل تحقيق أمانيها في حواراتها مع أمريكا والغرب تعالوا نرى.. ماذا حدث في -مسقط- حول التفاوض الأمريكي الأوربي الإيراني.
في اجتماع - مسقط- الأخير. لم يكن يخص المفاعل الإيراني والسماح لها بتكملته هذا شيء مفروغ منه ومتفق عليه وسيعلن قريباً. الموضوع الأخ الذي تتمناه إيران الفارسية، هو السماح لها بإطلاق يدها بالشرق الأوسط. مبرهنة لهذه الدول بما فيها إسرائيل، بأن الجمهورية الإيرانية الإسلامية هي الأقوى بالشرق الأوسط، ولسان حالها يقول انظروا كيف هو تمددنا بالعراق ولبنان وسوريا وغزة وأخيراً اليمن. ومما يبدوا أن إيران حيال مطلبها الأخير ستكسب الموافقة على إطلاق يدها بالشرق الأوسط.
ختاماً.. وبما أنه يهمنا اليوم الشأن اليمني أكثر من ذي قبل.. لا يسعني إلا أن أتمثل بقول كاتبنا الكبير الدكتور/ حسن الهويمل.في مقال سابق له بهذه الصحيفة. بعنوان «أدركوا اليمن قبل أن يدرككم».