أثار قرار اعتماد ممارسة التصفيق تحت قبة مجلس الشورى وسائل الإعلام بمختلف مصادرها، وكان خلف تلك الإثارة الإعلامية أن التصفيق صدرت فيه فتوى سابقة، تحرمه على الرجال، وتبيحه للنساء، وكان من المفترض أن يكون التصفيق للنساء فقط، وأن يكتفي الرجال بترديد «الله أكبر»، أو «سبحان الله»، وقد كان ذلك البديل الشرعي المقترح عن التصفيق المحرم.
لكن المتحدث الرسمي أكد القرار بصورة غير مباشرة في توضيحه بشأن ممارسة التصفيق تحت قبة الشورى، عندما أوضح أنه ليس قراراً صادراً عن المجلس، وإنما كان مقترحاً من أحد أعضائه تم طرحه في الشأن العام، ولأسباب لا أفهمها لم يتعلم مجلس الشورى الطريقة الاجتماعية الأمثل، والتي تم اتباعها في تجاوز كثير من الفتاوى التي تصدم بالواقع، وهو أن يتم تجاوزها بالممارسة بدون ضوضاء إعلامية أو اصطدام مباشر مع الفتوى، لكن مجلس الشورى أرادها كذلك، وكانت ردة الفعل بلا حدود.
أتذكر جيداً التغيير الاجتماعي المفاجئ في بدايات الصحوة، وذلك عندما بدأت حملة المحرمات، وكان منها التصفيق، وتحريم التصوير والموسيقى، وتحريم كثرة الضحك، وتحريم لعب ومشاهدة كرة القدم، وكان الكثير من الشباب يسأل في ذلك الوقت عن البديل الشرعي، وقد كان بديل التصفيق للرجال أن تقول «الله أكبر»، و»سبحان الله»، كان بديل الموسيقى تسجيل أصوات العصافير والحمام، واستخدامها في الأناشيد، وكان حل تحريم الرسم والتصوير بتر أحد أعضاء الحيوان أو الإنسان في الصورة أو اللوحة، وكان بديل لعب كرة القدم ومشاهدتها ركوب الخيل وممارسة السباحة، وكان المشكل الأصعب في وقتها إيجاد بديل لكثرة الضحك.
لكن مهمة إيجاد البدائل فشلت عندما اصطدمت الفتاوى بالتكنولوجيا وإبداعات وسائل الاتصال والتواصل، فكان من المستحيل أن يقدموا بدائل لمختلف وسائل الصناعة الحديثة وتقنية الاتصالات، بدءاً من تحريم السيارة إلى تحريم التويتر والجوال الكاميرا، وكان الحل الأمثل للعامة لعدم وجود بدائل وبدون الاصطدام بالفتاوى، تجاوزها بدون الإلحاح في السؤال، والسبب لأنهم لا يملكون القدرة على التراجع، وبذلك توصل المجتمع إلى الحل الأمثل من خلال باب ما يكره من كثرة السؤال، ولم يعد يأبه من الترهيب والتخويف على طريقة «جاكم الذيب»، وذلك عندما اكتشفت «الدهماء» أن الخطوط الحمراء والحوائط العالية، لم يكن خلفها ذئاب..
المفارقة أن بعض علماء الدين أيضاً تعلم فن تجاوز الجدران العالية، وبدون أن يتصادم مع الفتاوى التي تحرم، وأذكر جيداً أن تم تداول فتوى لكبار العلماء في تحريم صبغ الشيب بالسواد، وأنه من كبائر الذنوب والحكمة في ذلك لما فيها من مضادة لخلق الله تعالى عند تجميله على خلاف الطبيعة، فيكون كالوشم والوشر والنمص والوصل، ومع ذلك تجاوزها بعض علماء الدين، والذين اختاروا أن يصبغوا شعور وجوههم ورؤوسهم بالسواد على طريق «خلونا نصبغ»، بينما استمروا في تحريم الوشم والنمص ونتف الحواجب وغيرها..
كذلك كانت فتوى تحريم ظهور العلماء على شاشات التلفزيون، وذلك لحرمة الوسيلة، ولاحتوائها للمحرمات مثل الموسيقى وغيرها، لكن بعضهم تجاوزها بدون تصادم مع الفتوى التي تحرم، وأصبحوا بعد ذلك من نجومه الكبار، بل وصل بعضهم إلى أن يكونوا نجوماً فوق العادة في مجال الإعلام، ويدخل في ذلك الموقف من التعامل مع الفنانين، ودخول وتشجيع الأندية الرياضية، ولعب ومشاهدة مباريات كرة القدم، وأيضا الموقف من الساتلايت، والذي تجاوزه بعض علماء الدين، عندما أصبح من ضروريات المنزل.
لهذه الأسباب أخطأ مجلس الشورى في الإعلان عن قراره لإباحة التصفيق المحرم، أياً كان توقيته قبل أو بعد الاجتماع، وكان عليه أن يتعلم من المجتمع وعلمائه فن تجاوز الفتاوى التي تحرم ممارسات يومية لا تحتمل أحكام التحريم القطعي، وكان من المفترض أن يفعلونها على طريقة «خلونا نصفق» وعفا الله عما سلف.