في مجتمع يتغير بشكل متسارع إلى الأفضل، وطموح شبابه يكبر كل يوم، لا بد من خطوات تطويرية أكثر تأثيراً في التعليم العالي السعودي، وأن لا يكون التطوير مجرد تنظير، أو رغبة عليا تصدم بعقبات إدارية وتنفيذية لم تتخلص من تقليدية الإجراءات وتأخر الإنجاز.
نحن بحاجة إلى صفحة جديدة أكثر إشراقاً في التعليم العالي، فالكم لا يعمي أعيننا عن الكيف، والقول لا يغني عن الفعل، والمستحيلات ليست بعيدة طالما هناك إرادة عليا.
نفخر اليوم ببرنامج فريد للابتعاث الخارجي، ونسعد بجامعات غطت المساحة الجغرافية لبلادنا، وتبهرنا إنجازات أبنائنا في اختراعاتهم وابتكاراتهم وأبحاثهم، ولكننا للأسف لم نؤسس طريقة أو نعتمد معايير ترسم طريقاً واضحاً للتعليم العالي في البلاد، ولم نحصن طلبة الجامعات من المؤثرات الايدلوجية والفكرية، ولم نردع المتخاذلين الذين يريدون لجامعاتنا أن تبقى محلية ومنغلقة ومتأخرة.
على وزارة التعليم العالي أن تولي البحث العلمي جل اهتمامها بجمع كل المراكز البحثية في هيئة عامة للبحث العلمي يرأسها وزير التعليم العالي، وأن تضع معايير صارمة للتعليم العالي تحفظ جودته وتضمن بإذن الله مخرجات تثري سوق العمل وتنتج لصالح المجتمع وإقتصاد الدولة، ويأتي ذلك من خلال الاهتمام بالبيئة الجامعية وبالبرامج الأكاديمية، وبتفعيل دور مجلس التعليم العالي، وبتأهيل عضو هيئة التدريس في الجامعات السعودية وإخضاعه للتقويم المستمر، وإقرار ما يمكن تسميته رخصة التدريس الجامعي والتي يخضع حاملها إلى اختبارات أكاديمية ونفسية وتفرض على من يسعى للحصول عليها دورات علمية وعملية، حفاظاً على مكانة التعليم الجامعي وتوقيراً لمكانة هيئة التدريس.
نريد من وزارة التعليم العالي أيضاً أن تفتح المجال للتعاون الأكاديمي مع الجامعات العالمية الكبرى، بفتح فروع لها بالمملكة في تخصصات وكليات محددة، وإبتعاث المؤهلين للابتعاث داخلياً لها، وهذا يكون بالتوازي مع برنامج الملك عبدالله للابتعاث، وهنا يمكن أن يطرح مشروع جديد للتعاون الأكاديمي يكون برنامج الابتعاث تحت مظلته، وكذلك يطور من آداء الملحقيات التعليمية، ويضمن استمرارية التعاون الأكاديمي مع أهم الجامعات في العالم، نريد من التعليم العالي أن يفتح نوافذ أخرى على العالم بذات النجاح الذي حققه برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث، وأن لا تغلق جامعاتنا أيضاً أبوابها وتنكفئ على نفسها، وأن لا يكون التمييز بين الجامعات على أساس المدينة أو المنطقة، بل يكون أساس الإنجازات والنجاحات.
الجميع يعلم بأن التنمية مرتبطة بالتعليم، فلا تنمية دون تعليم جيد، ولا جودة في التعليم طالما لا نلقي بالاً للتنمية، والتنمية لا تسير الأمام بالمال فقط، بل بالعلم، والمال إذا لم يخدم العلم لن تتحقق لنا تنمية حقيقية تبقى وتثمر، وهذا هو استثمارنا المهم، وهذا خيارنا من أجل مستقبل ذهبه العقول وليس البترول فقط.. وهذه هي سياسة الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ويجب أن تترسخ من خلال آليات وأنظمة تغير الواقع إلى الأفضل، فالطموح لا ينتهي والمستقبل لا يقبل بالضعفاء، ولا قوة بلا علم ومعرفة.