أنت لا يمكن أن تنتظر في كل عام دعماً حكومياً لقطاع الثقافة والفنون والأدب؛ ذلك أن الإنفاق الحكومي المستمر عليها غير مجد من النظرة الاقتصادية, بل يصفه البعض بالهدر المالي على اعتبار أنه ليس له عائد. والجمع بين الاقتصاد والثقافة يبدأ من تجديد دماء العاملين في المجال الثقافي إلى دماء تعرف أهمية أن يجتمع المثقف والاقتصادي على طاولة واحدة، وبينهم رأس مال جريء.
الدعم الحكومي يكون لمرة واحدة فقط، خاص بالبنية التحتية وما يتعلّق بها من صيانة وتشغيل، ويمكن أن يصل للمليارات، فيما تبدأ القطاعات الثقافية عملها (الخطة التشغيلية) وفقاً للنظرية الاقتصادية بعيداً عن الإعانات والرعايات لأنها غير مستمرة وغير كافية.
الاستثمار في الإنسان يعمل عندما تضع له (نظاماً) يتحرك من خلاله, وليس عملية إنفاق بحتة, الإنسان عندما يعرف كيف يصطاد السمك أفضل من الذي ينتظر سمكة تأتيه كل عام حتى يتحرّك ويعمل, السياسة المالية الحالية جعلت أعمالنا الثقافة والفنية أعمالاً (حولية), بقدر ما توجد ميزانية لتنفيذ مسرحية تشاهدها على المسرح, وعندما تنتهي الميزانية يتعطّل معه العمل المسرحي. عندما (يدور رأس المال) في منطقة الثقافة والفنون نكون قد خطونا أولى خطواتنا في التنافسية.
من حيث الاستقلال جمعية الثقافة والفنون مثلاً (بين بين)، شبه مستقلة, وشبه تابعة لوزارة الثقافة والإعلام، وشبه مؤسسة مجتمع مدني، والنادي الأدبي رغم أنه قائم على عملية انتخابية أوجدت مجلس إدارة مستقلاً، نرى أن وزارة الثقافة والإعلام تضع لها (مدير عام الأندية الأدبية) وهذه كلها (مغالطات) إدارية لا يعرف مصدرها.
في تقديري الشخصي أن أول خطوة لإصلاح الثقافة نحرر المصطلحات، فالثقافة على سبيل المثال مسمى كبير وجامع، علينا أن نجزئ هذا المسمى إلى كيانات ومنظومات لها إطار محدد ونشاط محدد حتى يسهل علينا عمليات التطوير: بدءاً من الميزانية ومروراً بالتخطيط وانتهاء بالنتائج، فيمكن أن نجزئ الثقافة إلى الآتي:
الفنون الأدائية ويدخل في محيطها: المسرح والرقص، والفنون الموسيقية, والفنون البصرية ويدخل في محيطها: التصوير التشكيلي والتصوير الفوتوغرافي والرسم والنحت، وفنون الأدب ويدخل في محيطها: الشعر والسرد.
من هنا يمكن أن ننطلق مع تغيير الكيانات الحالية إلى صيغ مؤسساتية جديدة قائمة على (الفعل الاقتصادي), وليس على موظفين إداريين لا يعرفون هذه المعاني والمصطلحات والهموم.