كان الزواج لدى الأجيال الماضية مثل «البطيخة»، إما أن يحالفك حظك فتطلع حمراء، وإما أن يخاصمك فتطلع بيضاء. تلك المعادلة على الرغم من عشوائيتها، كانت السّمة الدارجة لعقود طويلة من الزمن، اضّطرت فيها المرأة أحياناً على القبول بأول طارق وطالب قرب، إذا ما أتمت الثامنة عشرة من عمرها في أفضل الأحوال، بصرف النظر عن مؤهلات ومواصفات الشاب المتقدم، لذا كان الارتباط غالباً (قسمة ونصيب) لا أكثر.. ومشروع تزاوج لا زواج أحياناً.
أما اليوم، ومع تطور طبيعة الحياة وزيادة أدوات ومكوّنات الوعي، أصبح للشريكين فرصة للتعارف أكثر قبل الارتباط، بل ودراسة مشروع شراكتهما الزوجية بدقة، آخذين بعين الاعتبار فرص نجاحه واحتمالات فشله، مما أسقط إلى حد كبير مبدأ «الزواج البطيخي» ليحل محله الزواج «المطبوخ» على نار ساخنة من قِبل طرفْي العلاقة..
وعلى الرّغم من أنّ ذلك الوعي والتّأني في الاختيار، قد يوحي لنا بارتفاع عدد الزيجات الطويلة والسعيدة، المبنيّة على المحبة والمودّة والاحترام المتبادل، إلا أننا نُصدم كل فترة بأرقام مفزعة، آخرها ما نشرته وزارة العدل السعودية، إذ تؤكد فيها تسجيل أكثر من 30 ألف حالة طلاق تمت خلال عام واحد فقط في حين سجلت 434 قضية خلع.
أمام هذه الأرقام المتصاعدة لفضّ الشراكة الزوجية، من المهم أن نقف، نتنفس، ونتساءل عن الأسباب التي أعتقد أنّ أحدا ً منها هو الآتي:
تلك الحركة المعاكسة للمشاعر بين الرجل والمرأة، بعد مرور سنوات على الزواج، فتراها هي تزداد رومانسية وتفيض حباً، وتخترع أساليب جديدة للجذب والحب، وترسل إشارات، وتلمّح وتصرح بأنها بحاجة إلى الحوار والعاطفة والاهتمام، تلح بأسئلتها وتتسوّل الحب.. هل ما زلت تحبني؟ هل ما زلت فتاة أحلامك؟ هل.. وهل.. وهل؟ تتفنن في استجداء العاطفة، في إطلاق سراح الكلمة الجميلة منه، تجدها تطبخ طبقاً لذيذاً حيناً، وتقص وتلون شعرها حيناً، أملاً في لفت انتباهه لها، وفي إطراء رقيق منه يمنحها الثقة، ويشعل فتيل الحب والسعادة من جديد.
هو.. لا يفهمها ولا يستوعب احتياجاتها، يتجاهل إشاراتها، ويحبط محاولاتها ورغبتها في كلمة جميلة، بلمسة حنونة، بإطراء مباغت، ويعتقد أنهما كبرا على ذلك، فتمر السنون، ويضيع العمر، وتصبح الحياة تحت سقف واحد «تحصيل حاصل»، أو ضرورة من أجل الأطفال لا أكثر..
بل وقد يصبحان غريبين عن بعضهما، يجمعهما المكان والأبناء.. نعم، ويفرقهما ألف سبب وألف حاجز لا ينصهر ولا ينكسر، بل يزداد ارتفاعاً وسماكة مع مرور الأيام، فتمزقهما الوحدة ويقتلهما تجمُّد المشاعر، ويبقى الأبناء ضحايا لهذه المعركة الصامتة، وتلك الحرب الباردة، التي لا بد أن يكون فيها جرحى وإصابات وضحايا كأي حرب أخرى، فيعتقد الابن والابنة أن هذا هو «الزواج»!
وفي المقابل ومن باب الإنصاف، نجد أنّ هناك نساءً قابلن الاهتمام بالإنكار، والعطاء بالجحود والإهمال، تجدهن غارقات في عالم التجمعات الأُسرية و»العزايم» الاجتماعية، أقصى أحلامهن أن يرضين فلانة عن فساتينهن الجديدة، ويغايرن علانة بحقائبهن الفارهة، يتبعن أحدث صيحات الأزياء، وأشهى وصفات الطعام الانستغرامية، والقصص والحكايا والإشاعات الواتسابية، وإذا سألتهن متى كانت آخر مرة سألتن بها أزواجكن عمّا إذا كانوا سعداء بهذه العلاقة؟ سيجبن ببرود لقد عفى الزمن على مثل تلك المشاعر!
إنّ ما هو أسوأ من الطلاق نفسه، هو زواج تطلّقت فيه المحبة، وانفصلت منه المشاعر، وصار طلاقا ً «مقنعاً» لا نستطيع فعلاً إحصاءه أو التنبه إليه، لأنه خفيّ وموجع كمرض خبيث يتغلغل داخل البيوت السعودية.
أيها الآباء والأمهات توقّفوا عن زجّ أبنائكم وبناتكم في مشروع أبدي مثل الزواج، دون التنبّه لرغباتهم ودراسة أطباعهم وتحضيرهم نفسياً وروحياً له ولتقلّباته قبل تجهيزهم مادياً لهكذا خطوة..
فكما قال الروائي هاني نقشبندي: «فليذهب قطار الزواج إذا كان الثمن الذهاب إلى وجهة لا نريدها! ليس المهم متى نتزوج بل من نتزوج؟»