أثلج صدورنا بيان علماء ومشايخ الطائفة الشيعية السعودية الكريمة، عن حادثة الإحساء الإرهابية، وما احتواه هذا البيان من مواقف ولغة وطنية مسؤولة ورائعة وعاقلة تدل بكل المقاييس، وأينما نظرت إليها، وحللتها، أنهم يدركون أن هذه العملية هدفها زعزعة الاستقرار في المملكة، من خلال إشعال فتيل الصراع الطائفي بين المواطنين، الذي ما إن يحل ببلد إلا وينتهي بالحروب الأهلية بين أهل البلد الواحد، كما هو حاصل الآن في العراق وسوريا واليمن.
هذا البيان ثمّن موقف هيئة كبار العلماء السريع والوطني والمسؤول والواضح والذي لا يحتمل اللبس بالإدانة، كما شكر سماحة المفتي الذي كان لكلمته المعلنة و(الصارمة) أكبر الأثر في تطويق هذه الفتنة القذرة، وتفريغها من نسبتها إلى الطائفة السنية في المملكة، كذلك أشاد بسرعة تحرك القوى الأمنية، والقبض على الجناة بسرعة وتمكن تدل على أن هذه القوى يهمها أمن المواطنين جميعهم أولاً.
موقف هيئة كبار العلماء السنة ورد فعل العلماء الشيعة، وكذلك رد فعل المواطنين سنة وشيعة معاً تجاه هذا العمل الإجرامي الحقير، بعث الاطمئنان في نفوس المواطنين إلى أن جميع أهل البلاد وعلمائها من مختلف الطوائف يقفون وقفة رجل واحد تجاه ما يُحاك لبلادهم من مؤامرات دنيئة، كما يُشير إلى أن الإرهاب المذهبي الذي يمتطيه المتاسلمون الطائفيون من السنة والشيعة هدفه نسف أمن واستقرار المواطن نفسه وإحالة أوضاعه الأمنية المستقرة في بلاده إلى أوضاع يكتنفها الخوف والهلع وغياب الأمن، الذي هو أغلى ما يملكه المواطن في بلاده.
وليس لدي أدنى شك أن من أرسل المُخطط (عديم الدين والمروءة) ليتسلل إلى البلد ويُجند المشاركين في هذه العملية قد دُهِشَ من هذا الترابط والتماسك الوطني من كل الفئات بغض النظر عن المذهب، تجاه هذه العملية، وربما أنه أدرك أن هذه البلاد ومواطنيها وعلمائها ومثقفيها، سنة وشيعة (عصية) على الاختراق وأنهم إذا كانوا قد استطاعوا أن ينسفوا استقرار وأمن بعض البلدان المجاورة من خلال إيقاظ الحس الطائفي، فلن يستطيعوا أن يكرروا جرائمهم في بلدنا.
مشكلتنا والتي أشرت إليها مراراً، أن ثمــة من مواطنينا سنة وشيعة مازالوا يعيشون تحت سطوة التاريخ وما دُوّنَ فيه من أحــداث ومماحكات لها بواعثها وأسبابها في حينها بين السنة والشيعة فلا يكلفون أنفسهم قراءة هذه الأسباب والبواعث وإنما يأخذون النتائج (فقط) فيقيسون عليها ويتركون (الفوارق الزمنية والمكانية) ومع الأمد والتراكمات، تتحول هذه القياسات إلى أشبه ما تكون (بالحقائق) التي من يمسها فقد مس ما هو معلوم من الدين بالضرورة، سواء من الشيعة أو من السنة، وهذا ليس وقفاً على الشيعة فقط وإنما يمتد إلى السنة أيضاً.
ولكي نضع النقاط على الحروف ولا نترك الباب موارباً ليدخل منه الانتهازيون الطائفيون أو البسطاء المغفلون فلا بد من الإشارة إلى بعض العلماء ومقولاتهم التي كانوا بها يعبرون عن مماحكات زمنهم السياسية، فكانت مقولاتهم مرتبطة بعصرهم لا بعصورنا وظروفها ومتطلبات أمننا واستقرارنا.
ابن تيمية وابن القيم مثلاً وآخرون غيرهم لهم مقولات في (شيعة زمانهم) تمتلئ بها كتبهم وأدبياتهم. وهذه المقولات لها أسبابها ودواعيها، فهل هذه المقولات - مثلا - (يجب) أن تكون منهجا لا يحيد عنه من أتى بعدهم؟.. هذه النقطة غير المنطقية هي (الثغرة) التي يلج منها الانتهازيون للتغرير بالبسطاء وتحويلهم إلى حطب لنيران تحترق فتحرق معهم بلدانهم.
استحضار التاريخ دون إدراك للفوارق بين العصور هو أس المشكلة. وهذا لا يتوقف على السنة فقط وإنما يمتد إلى الشيعة أيضاً ومقولات بعض مشايخهم أيضاً.
إننا نعيش فترة انتقالية خطرة تغيرت فيها تكتيكات الإرهابيين وتغير المستهدفون، يجب أن نتعامل معها بحذر وأن نعيد التفكير في بعض ما كنا نعتبره (مسلمات) لأنها ببساطة ليست مسلمات لا تمس، وإنما (متغيرات)، والأصل أينما يكون الأمن والاستقرار فهو المطلوب لا إيقاظ الجمر والنفخ فيه من تحت الرماد.
إلى اللقاء