في تقديري أن التعصب لناد معين وتشجيعه والاستمتاع بلعب لاعبيه، من أسباب تطور الكرة وتقدمها في بلادنا. ولا أجد في ذلك إلا حافزا من حوافز قوة الأندية واستمرارها في المنافسة وتطورها؛ خاصة في ظل غياب الاحتراف الكامل أو بلغة أدق: غياب أساليب تمويلية كافية للصرف على الأندية الرياضية بما يمكنها ليس فقط من البقاء وإنما الاستمرار في القوة والتطور واحتلال مراكز متقدمة في المسابقات الرياضية.
فلولا التعصب للأندية بل والجنون في تشجيعها والتبرع لها من قبل المعجبين بها من الأثرياء لما تمكنت أنديتنا من البقاء والتطور ولما استطاعت الصرف على فعالياتها ولما كان لدينا في المملكة كل هؤلاء اللاعبين العالميين المتميزين من الأجانب.
وهذا يعني أن (التعصب) الذي يعتبره البعض معيباً هو المعوّلُ عليه الذي جعل ناديا كنادي الهلال - مثلا - كاد أن يحتل صدارة الأندية في القارة الأكبر في العالم لسبع مرات، لولا حكم تعيس (كحيان) اختطفها منه عنوة ومنحها للأستراليين..
وكلما زاد التعصب لهذا النادي زادت النشوة بانتصاراته وشعر داعموه بلذة أكبر لإنجازاته ومرارة لخسارته، فبذلوا من أجله ما لا يجودون به لغيره بأريحية وطيبة نفس وفرح وكأن عضو الشرف هو من انتصر في النهاية.
والتعصب الكروي في بلادنا ليس حديثا وإنما قديم ومتجذر.
اتذكر في حي (دخنة) أحد أحياء الرياض القديمة حيث ولدت وفيها مدارج طفولتي كان أغلب شبابها وأطفالها هلاليين، وكنت حينئذ هلاليا لا تشغلني قضية إلا عشق الهلال والذود عنه والتعصب له.
وقد تعود الصبية آنذاك كتابة بعض العبارات التشجيعية للأندية الكروية على جدران البيوت الطينية في أزقة أحياء الرياض وشوارعها.
ومرة كتبت ومعي مجموعة من الصغار عبارة كانت متداولة حينها تقول: (هلاليون حتى الموت) وصادف أن مرَّ بنا أحد من يكبرنا سنا، فأتى إلينا ومد يده قائلا:
(أشوف الفحمة) ثم تناولها وكتب: (بل هلاليون إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها) ومضى في طريقه! تاريخياً كانت صفحات الرياضة في جرائدنا المحلية تحظى بهامش من الحرية والنقد لا يتوفر بنفس القدر لصفحات الشؤون الأخرى.
وكان التعصب لهذا النادي أو ذاك طاغيا على هذه الصفحات.
وفي السبعينيات ميلادية من القرن الماضي كان الصديق الأستاذ «عثمان العمير» مسؤولاً في شبابه عن تحرير صفحة هذه الجريدة الرياضية - (جريدة الجزيرة) - وكتب حينها مقالاً لازلت أتذكر عنوانه حتى الآن يقول: (دعوا التعصب وشجعوا الهلال) فاحتفل به الهلاليون أيما احتفال وصار حديث مجالسهم؛ فرد عليه أحد الشعراء النصراويين بقصيدة (عصماء) مازلت أتذكر منها بيتا يقول:
إن أطلقوا النصر تعريفاً لنادينا
فالاسم والفعل في التعريفِ صنوانُ
وكان رئيس نادي النصر المرحوم سمو الامير عبدالرحمن بن سعود يواجه تعصب الهلاليين بتعصب مماثل للنصر، بل ربما أنه كان أشد وأمضى وأقوى من تعصب الصحفيين الرياضيين، مستعينا بقدرته الفائقة والمتميزة على سرعة الرد وإتقان اللذعات بذكاء باهر وحضور ذهني مُذهل؛ فكانت ردوده المُفحمة وتعليقاته الصحفية الساخرة تُمثل إعلاماً رياضيا حاضرا وبقوة.
ولا شك أن التعصب للهلال من قبل الهلاليين وللنصر من قبل النصراويين، والتنافس بين هذين الناديين الكبيرين، وكذلك بين الاتحاد والأهلي في جدة، من بواعث وأسباب تطور الكرة السعودية و وصولها إلى ما وصلت إليه.
بقي أن أقول: التعصب لهذا النادي أو ذاك هو (ملح) الكرة، وسبب من أسباب تفوقنا فيها؛ ودعوا عنكم (فبركة) وتصنّع المثاليات، فلولا التعصب (وش خانة الكورة أجل؟!)..
إلى اللقاء