يهلل الإعلام أحياناً عندما تتحدث شخصية مشهورة عن الإسلام أو المسلمين، وهذا أمر طبيعي في حالة الضعف والمشكلات التي تعتري عالمنا الإسلامي وتصبح الشهادة من الأعداء والشخصيات المعروفة عالميا ذات قيمة معنوية. البعض ينتقد تلك الاحتفائيات بكلام الشخصيات العالمية عن ديننا أو عن دولنا أو عن سياساتنا، بحجة أننا نعرف أنفسنا وقيمتنا ولسنا بحاجة إلى مثل تلك الإشادة من الأعداء. والبعض لا يكتفي بذلك بل يعتقد أن الإشادة تأتي ضمن المؤامرات الرامية إلى تخديرنا ولا تعكس التوجهات الحقيقية...
تلك التفسيرات والتأويلات بعضها صحيح وبعضها مبالغ فيه ولا نستطيع أن نعمم الأحكام فنضع الصديق مع العدو والصادق مع الكاذب في بوتقة واحدة. أحد التفسيرات التي أركز عليها تتعلق بالتفرقة بين الدفاع عن الإسلام والمسلمين وبين الدفاع عن قيم يؤمن بها الآخرون.
على سبيل المثال؛ في أحد الحوارات أشار أحدهم إلى المسلمين كإرهابيين فاعترض آخر بأن ذلك لا يجوز تعميمه فكما هناك سيئون هناك خيّرون... هل كان المعترض يدافع عن الإسلام أم يدافع عن قيمة يحملها تتمثل في عدم التعميم وعدم ربط معتقدات الناس بأفعال الشر؟ هل يدافع عن الإسلام أم عن المنطق العلمي في كون المسلمين ملياراً ومرتكبي الشر منهم لا يزيد عن مئات أو آلاف وبالتالي هم قلة قليلة تستوجب عدم التعميم؟
مثال آخر؛ قام شخصان كنديان بتجربة اجتماعية حيث لبس أحدهم زياً شرق أوسطياً وفي محطات الحافلات يأتي زميله فيضايقه مطالباً إياه باختيار رحلة أخرى أو عدم استخدام الحافلة، ويطلب ممن حوله عدم السماح لذلك المسلم بالركوب معهم لأنه قد يتسبب لهم في مشكلات. العجيب كانت ردة الفعل وصلت بأحدهم إلى استخدام يده ضد ذلك الشخص المعترض على ركوب المسلم. كانوا يستنكرون الفعل ويدافعون عن قيمهم وقيم بلدهم بأنه ليس عنصرياً ويقبل التنوع والاختلاف والمواطنون فيه سواسية. لم يكونوا يدافعون عن المسلم بل عن قيمهم التي تعلموها ونشأوا عليها وربما تكون السبب في وجود كثير منهم في ذلك البلد...
إشكاليتنا في منطقتنا هي إهمالنا تعليم وتطبيق القيم الإنسانية المتنوعة. المتطرف لا يؤمن بقضية التنوع والاختلاف وحق الآخر في المعتقد والتصرف. المسؤول الفاسد لا يؤمن بتساوي حقوق المواطنة وقيم العدالة فيقرب من يتفق مع ميوله الأيدلوجية على حساب الكفاءة ويفرق بين المواطنين بناء على لونهم أو قبيلتهم أو مذهبهم أو جنسهم. الشخص المتعجرف لا يعرف معنى احترام الإنسان فيرفع صوته محتقراً للعامل والبائع والخادم بناءً على خلفيتهم المهنية ومستواهم العلمي أو الاجتماعي،... الخ.
تعليم القيم الإنسانية ضرورة لأي إصلاح أو تطوير في مجتمعاتنا. لننظر كيف يظهر بأن الآخرين يذكروننا إيجابياً ليس حباً فينا وليس لتميزنا الحقيقي بل لأنهم يدافعون عن قيمهم التي تعلموها وتربوا عليها. بينما نحن لا نملك، لا نطبق، لا نؤمن بالقيم الإنسانية تجاه شركائنا في الوطنية، في الدين، في اللغة، فضلاً عن البعيدين والأعداء...
من هنا يجب أن ينطلق تعليمنا وتربيتنا وإصلاحنا، من تعليم القيم الإنسانية وجعلها أسلوب حياة وعمل ونظام. ومن حسن حظنا أن كثيراً من تلك القيم لا تتعارض مع الإسلام المعتدل، لكن التعصب والتطرف والحماس والأدلجة والتخلف الحضاري وغيرها من العوامل التاريخية والمعاصرة قاد إلى تراجع تلك القيم. هي مهمتنا الحضارية إعادة ترسيخ القيم الإنسانية في مجتمعاتنا، إن نحن أردنا مشاركة العالم تقدمه الحضاري وكانت لدينا الإرادة للحاق بركب التطور...