وزارة الصحة تشبه فرق كرة القدم السعودية، عندما تتردى النتائج يتم تغيير المدرب ويأتي المدرب الجديد ومعه طاقم مساعد يتم اختياره عن طريق المدرب في الغالب، ولا يلبث أن يُلغى عقده بعد فترة قصيرة، وهكذا مدرب جديد وطاقم مساعد جديد. لا يتم تغيير اللاعبين في الميدان ولا يتم تغيير الإداريين ولا يتم تغيير بيئة العمل الرياضي. الفرق أن وزارة الصحة بصفتها قطاعاً حكومياً لا يمكن تغيير الطاقم المساعد بشكل معلن وواضح، وإنما يلجأ القائد الجديد إلى جلب مساعديه بطريقته الخاصة فيعيّنهم مستشارين أو يستحدث لهم مناصب جديدة أو يكلفهم بمهام آخرين داخل القطاع، فتمر الوزارة بمرحلة من اللا توازن، فلا القياديون القدماء يمنحون الثقة لمواصلة مهامهم ولا الصديق المستشار الجديد يمنح الثقة ليقوم بالمهمة الموكلة إليه كموظف أصيل يتحمَّل كامل المسؤوليات التي تقتضيها طبيعة المنصب.
الصحة تمر بحالة منتخب تعثَّر كثيراً ولديه استحقاقات تنافسية مهمة، وفوق ذلك يُعيّن له مدربٌ مؤقت. هذا المدرب لا يمنح الثقة الكاملة ليتولى مسؤولية النجاح والخسارة المترتبة على عمله وعلى اختياراته لمساعديه ولا يسلم من النقد والضغط عليه بتحقيق نتائج إيجابية مع منتخب تدهور مستواه على مدى سنوات عديدة ومع أكثر من مدرب!
لقد حاولت أن لا أكتب عن وزارة الصحة خلال الفترة الماضية لأسباب منها: تولي مسؤول جديد لقيادتها وليس من عادتي الكتابة النقدية عن مسؤول جديد يتولى مسؤولية أي قطاع، بل أنتظر حتى تتضح طريقة عمله ورؤيته للعمل أو أُوجّه نصائح عامة تحفيزية في أحسن الأحوال. السبب الثاني والمهم هنا هو عدم معرفتنا بالتحديد هل سيتم تثبيت معالي الدكتور فقية كوزير أصلي للصحة أم أنه مؤقت، وبالتالي لا جدوى من أية كتابة أو ملاحظة خلال فترة العمل المؤقت، باعتبارها فترة تسيير أعمال، كما يُطلق عليها.
أكتب اليوم لأن الفترة المؤقتة طالت قليلاً، ولأننا نلحظ تحركات في تعيين قيادات وعزل قيادات بشكل غير مباشر أو بالأصح تجريدها من مهامها وتكليف آخرين عليها، بشكل أصبح يُشكِّل إرباكاً داخل وزارة الصحة.. والإرباك ليس التشكيك في قدرات العاملين بالقطاع سواء من القياديين بالأصالة أو بالتكليف، ولكن في ضبابية المهام وآليات التواصل داخل القطاع وتوزيع المسؤوليات، وبالذات التغييرات تتجاوز مجرد تعيين شخص مكان آخر بل تتجاوز ذلك إلى المساس بالهياكل التنظيمية للوزارة ويتم وفق خيارات تبدو فردية - مع الاعتذار لهذا الحكم - وتفتقد الشمولية والوضوح.
ربما يرى البعض أن الأزمات والمهام المتلاحقة لم تتح فرصة لحسم موضوع قيادة وزارة الصحة، حيث كانت أزمة كورونا ثم أتبعها موسم الحج وحساسيته، ولكن هذه طبيعة جهاز الصحة ولا أحد يضمن استمراره دون أزمات كأحداث الأمراض المعدية والموسمية وغيرها. أعود لكرة القدم فأشير إلا أنه لا يمكن أن نبقي مصير المدرب معلقاً بمباراة أو بطولة حاسمة، لأن هذا يعني غياب التخطيط وغياب الاستقرار للفريق وعدم وضوح الرؤية المستقبلية. يجب أن نمنح المدرب الثقة بعقد مستقر لسنوات حتى يستطيع تنفيذ رؤية واضحة وبناء فريق متميز، يمكن حينها محاسبته على أدائه وعلى نتائجه.