استوقفني خبر الست ملاحظات, التي ارتكبها أئمة وزارة الشؤون الإسلامية، وأدت إلى فصل «50» إماما من مناصبهم -خلال العامين الماضيين-، مع أن المصدر المطلع بالوزارة، أكد بأن الفصل ليس بسبب كون آرائهم متشددة - فقط، بل كان من بين الأسباب: غياب أئمة، وانقطاعهم عن العمل، أو مخالفات إدارية متكررة عليهم، -إضافة- إلى عدم إتقان القراءة، أو الحفظ، وبعض الممارسات الخاطئة المبنية على أفكار غير صحيحة. وهذه الجملة الأخيرة، هي التي تهم القارئ للخبر، باعتبار أن مخاض التطورات على الساحة، ستصيب موضوع الأفكار بصورة دائمة، ومستمرة، الأمر الذي يستدعي مقاومته بالصرامة اللازمة، دون أن يكون فيها مكان لحلم، أو رأفة.
بلينا -مع الأسف- بآثار التشدد في الدين لمن تبناه، مع أن محاربة هذه الأفكارلا يشكل خطرا على الناس فحسب، وإنما يتمدد أثره إلى تشويه حقيقة الإسلام، ويضعنا أمام معادلة صعبة؛ لاختراق الإسلام بفهم أيديولوجي، غايته العنف، والتطرف.
ومن ثم يُؤتى الإسلام أكثر مما يُؤتى من قبل الأفكار الأخرى، التي غالبا ما تُلصق به نظرية المؤامرة.
هناك مسافات كبيرة بين الغايات السامية لرسالة الإسلام، ومقاصده، وبين ما يفعله قلة من هؤلاء، حين مارسوا إسقاطا فوقيا على نصوص الكتاب، والسنة؛ نتيجة تأثرهم بتراث تكفيري، أو ثقافة تحتضن ارتكاب العنف، والتكفير؛ ليصبح بعد ذلك الهدف الذي يُقصد به إضفاء لباس الشرعية على الأفكار المتشددة، والوقوع في تعسف فقه النصوص كما فهمه هو، دون إدراك مواقع الخلل، -وبالتالي- اجترار فتنة التشدد، وإعادة صياغة ثقافتها الفكرية.
إن التجرد في المنهج، يقتضي أن يبقى الواقع محكوما بالنص بفهم شمولي، وموضوعي.
وهذا الأمر يستدعي من معالي وزير الشؤون الإسلامية -الشيخ- صالح آل الشيخ، ومن معه من رجال العلم، والمعرفة، التصدي لهذا الفكر المتشدد، عبر دراسات شرعية قوية الاستدلال، راسخة في التحقيق الفقهي، دون تردد، أو الجنوح نحو الاقتصار على حلول وقتية، قد تزيد المشكلة تعقيدا، والأوهام تأكيدا.
وهذا الجهد -في تقديري- سيستمر أعواما من المتابعة، والتحري.
للحق، فإن للوزارة مشكورة جهودا مبذولة في مكافحة التشدد، والتي طالت العديد من منسوبيها.
وتشجيع هذه الخطوة، يقتضي تحويل تلك الجهود إلى إستراتيجية عملية؛ للقضاء على هذا الفكر المنحرف على المدى الطويل، ومواجهة الأفكار المتشددة، من خلال إعادة تقييم شاملة لأئمة المساجد، وخطباء الجوامع، والتي يعتنقها القلة منهم، إما جهلا باعتبارات الحال، والمآل، وإما اختطافا لثوابت الإسلام، وتعاليمه السمحة.