فتاوى كثيرة لأنصاف المتعلمين، أثارت جدلا واسعا في وقت تتكالب على أمتنا الأزمات، والمصائب، والرزايا، جعلت من سماحة مفتي عام المملكة - الشيخ - عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، يبين شر دعوتهم المستطيرة في كل مناسبة، إذ يقول - قبل أيام -، بأن: «دعاة الباطل أخرجوا الشباب من أوطانهم بالشبهات، وساقوهم إلى مواطن الفتن»؛ حتى لا ينخدع شباب الأمة بشعاراتهم، وخبالاتهم، إذ لم يوفقهم
الله لفقه الشريعة، وفقه معانيها، فصنعوا الأزمات لأنفسهم، - وقبل ذلك - لأمتهم.
إن من أعظم الجنايات، أن يتقدم أنصاف المتعلمين بين يدي الله، وهم من أجهل الناس في أحكامه، فيوقعوا المجتمع في شر الفوضى الفكرية، وذلك في مواجهة سيل الفتاوى الصادرة عنهم، - لاسيما - في باب «فقه النوازل»، وهذا داء الطلب، ومحل أكثر العطب فيه؛ ليتصدروا ما يتعلق بأمر العامة من لا يحسنه، أو أن يتجرأ إلى العلم، ويتسلق إليه من ليس من أهله، وفق تصوراتهم الضيقة، وأفكارهم العقيمة، وعقولهم العرجاء، فأصبح الدين - مع الأسف - مشاعا للفتوى في مسائله، وأضحت الشريعة مرتعا خصبا لكل من تسول له نفسه الحديث عنها، دون الالتفات إلى خطر تأثيراتها السلبية على مصائر الناس.
من أسباب البلاء الذي وقع فيه هؤلاء، عدم الرجوع إلى العلماء الربانيين، الذين هم للحق أدلاء، وللباطل أعداء، الذين شابت لحاهم في تأصيل، وتقعيد المسائل الشرعية، والتصدي لبيان ما يشكل على العامة من أمور دينهم، وإرشادهم إلى الطريق المستقيم. وحول هذا المعنى، يقول - العلامة - أبو بكر أحمد الخطيب البغدادي في كتابه «الفقيه والمتفقه:»لا يزالُ النّاسُ بخيرٍ ما كانَ عُلماؤهُم المشَايخ، ولَمْ يكن عُلماؤهُم الأَحداثَ؛ لأنَّ الشَّيخَ قَد زالتْ عنهُ مَيْعَةُ الشَّبَابِ، وَحِدّتُهُ، وَعَجَلَتُهُ، وَسَفَهُهُ، واستَصْحَب التّجرِبَةَ، والخِبْرَةَ، فَلا يدخُلُ عَليهِ في عِلْمِه الشُّبهةُ، ولا يَغْلبُ عَليهِ الهَوَى، ولا يميلُ بِه الطّمَعُ، ولا يَسْتَزلَّه الشَّيطانُ اسْتِزْلالَ الحَدَثِ، ومَعَ السِّنِّ الوَقَارِ، والجَلالَة، والهَيبَة، والحَدَثُ قَدْ يدخُلُ عَلَيهِ هَذِه الأُمُورُ، الّتي أُمِنَت عَلى الشَّيْخِ، فَإِذَا دَخلتْ عَليهِ، وَأفتى، هَلَك، وأهْلَكَ».
إن من العقل، والإيمان، ومن تقوى الله، وتعظيمه، أن ينزل الإنسان نفسه منزلتها، وأن يرد الإشكال إلى العلماء الربانيين، وأن يحذر التصدر قبل التأهل، وأن يعلم أن من المسلمات الفقهية، وقواعدها الكلية، وبدهياتها الشرعية عند أهل العلم، أن: «الحكم على الشيء، فرع من تصوره»، وأن فهم الواقع، والواجب في فهمه، من أولى القواعد لدى من تصدر للعلم، والفتيا. - وعليه - فإن من جعل أمامه الهوى، فإنه سيوصله - بلا ريب - إلى الردى، بل سيكون حريصا على إذكاء نار الفتنة، وتعزيز خياراتها.