اشتدي أزمة (تنفرجي)..؟!

«ليتها كانت أزمة عربية واحدة فقط؛ لكنها أزمات بعضها من بعض، وظلمات بعضها فوق بعض، وخيبات تنسل خيبات، فلا آلامنا تواسينا، ولا آمالنا تداوينا، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

«بدأت الشرارة الأولى في 17 ديسمبر 2010م من (سيدي بو زيد)، وهي مدينة صغيرة في وسط الجمهورية التونسية؛ على يد شاب بائع خضار متجول اسمه (محمد بو عزيزي)، الذي أحرق نفسه، فاحترقت معه تونس الخضراء، وامتد الحريق من بعدها إلى مصر وليبيا واليمن ثم سورية، ووصلت شظايا النيران الملتهبة إلى كل أقطار العرب من الماء للماء، فلم ينج قطر من عناصر خارجة على الأعراف والقوانين، تعمل في بلدانها تقتيلاً وتخريباً وتدميراً تحت شعارات دينية وحزبية وطائفية ومذهبية، ودعاوى ما أنزل الله بها من سلطان.

«وسواء جاءت حادثة (البوعزيزي) في تونس بمحض الصدفة بعد أن تعرض للضرب من الشرطة؛ أو بأدوات تونسية ظلت تنتظر الفرصة للانقضاض، ومن بعدها ما جرى من محاكاة لها في مصر وليبيا واليمن ثم في سورية، أو أن هناك أيادي خارجية أعدت وخططت ورسمت خارطة المنطقة وفق ما تريد لها في المستقبل، فالأمر سيان في كلا الأمرين، لأن البيئة السياسية والاجتماعية في كثير من أقطارنا؛ كانت مهيأة للتدخل الخارجي، ومهيأة أكثر؛ لأن يأتي من خلف الصفوف مصطفون ظلوا عدة عقود وهم ينتظرون الدور لكي يمتلكوا البلاد ويتحكموا في العباد.. يمتلكون ويتحكمون؛ لا يديرون ويحكمون، وهذا ما تبدى بعد ذلك على أيدي الإخوان الذين وصلوا لكراسي الحكم في تونس ثم في مصر، فأثبتوا أنهم أسوأ ممن سبقهم على مر العقود الفارطة كافة.

«اليمن تشتعل طائفياً وحزبياً من جديد، وليبيا تحترق بنيران جماعات إخوانية متطرفة، وسورية تتخطفها أيدي العابثين بالدين والدنيا معاً، وكل طرف يكفر الآخر ويقتله بدم بارد، ولكن تونس التي جربت حكم حزب النهضة الإخواني، بدأت تتعافى وتسترد وعيها، وتنظر بعين مفتوحة إلى الحال التي وصلت إليها مع حزب النهضة، فها هي تخوض انتخابات تشترك فيها قوى وطنية وعلمانية ودينية شبه معتدلة، ومصر التي تجرعت مرارة عام كامل من حكم إخواني متطرف، تعود مرة أخرى إلى نفسها وإلى محيطها العربي من جديد بمعجزة، وتكشف للعالم كل يوم، عن صور إجرامية بشعة، كان الإخوان المتأسلمون وما زالوا يمارسونها في حق العرب والإسلام ومصر ذاتها، فقط من أجل الأممية التي قامت جماعتهم عليها منذ ثمانين سنة.

«إن في الحالتين الآنيتين لكل من تونس ومصر، بصيص أمل؛ لأن نشهد مثلهما في ليبيا واليمن ومن ثم في سورية. لا يمكن أن يتقاتل اليمنيون إلى الأبد، ولا أن تظل الأرض الليبية مسرحاً للقتل المتبادل والتخريب والتدمير إلى مالا نهاية. هناك فرجة من نور في نهاية النفق لا بد أن تتسع وينجلي الظلام من سمائنا إلى الأبد.

« الانفصال وقيام دولة في الجنوب اليمني من جديد، جزء من الحل الذي سوف يصل إليه أهل اليمن على ما يبدو. لقد كانت الوحدة بين شمالي اليمن وجنوبيه وحدة مفتعلة ولأهداف انتهت في وقتها، لأن من صنعها هو المقبور (صدام حسين) من خلال (مجلس التآمر العربي)، الذي قام بهدف إضعاف مجلس التعاون الخليجي وتفتيت المملكة العربية السعودية، ونعرف كيف ثار يمنيو الجنوب بعد أربع سنوات من قيام الوحدة المصطنعة مطالبين بالانفصال، والشعب اليمني بجنوبه وشماله جزء من الجزيرة العربية والخليج، وسوف يدرك خطورة المنطلقات المذهبية المتطرفة للحوثيين والقاعدة، ويعود مرة أخرى إلى يمن يعرف أن مصيره مرتبط بمصير جواره، وأن البعيد الإيراني بعيد حتى لو تقرب بالمال والأيدلوجيا. فرجة مضيئة أخرى في نفق أزمة يمنية حالكة السواد.

«وفرت الثورة في سورية منذ البدء، بيئة جاذبة لكافة المنظمات والمجموعات المتطرفة في المنطقة، فالتقت هناك تحت راية الجهاد المفترى عليه، ثم ما لبثت أن انقسمت وتجابهت فيما بينها، حتى ظهرت من بينها داعش الأكبر والأخطر. لا يهمنا اليوم من أراد داعش هذه، ومن أوجدها وكبّرها ودعمها، بقدر ما يهمنا السؤال: هل اختيرت الأرض السورية والعراقية الغربية بإرادة إقليمية ودولية ذكية، لجذب التكفيريين والمتطرفين الدينيين من كل حدب وصوب؛ لحرقهم عن بكرة أبيهم والخلاص منهم إلى الأبد..؟! أتمنى أن يكون هذا صحيحاً، وعسى أن ينفركل متطرف ديني ومتشدد مذهبي إلى أرض داعش، حتى نخلص منهم جميعاً. هذه فرجة أخرى في نفق مظلم سوف نشهد له نهاية سعيدة إن شاء الله.

«يعلمنا التاريخ- وهو خير معلم- أن ما من أزمة اشتدت وحلكت؛ إلا وتنفرج بعد ذلك: (اشتدي أزمة تنفرجي.... قد آذن ليلك بالبلج).

«إن لله فيما يجري حكمة وعبرة، وفي كل محنة منحة، وعلينا أن نبذل ما بوسعنا من وسائل، حتى نتفادى الوقوع في المزيد من هذه المحن والأزمات، ثم ننتظر الفرج من رب العالمين، الذي لا يقدر على ذلك سواه:

ولرب نازلةٍ يضيق لها الفتى

ذرعاً وعند الله منها المخرج

ضاقت فلما استحكمت حلقاتها

فرجت وكنت أظنها لا تفرج