ما يميز المخرج الأمريكي المتجدد ديفيد فينشر هو إجادته التامة لنقد والصِدام الدائم مع العديد من التقاليد للمجتمع الأمريكي بالإضافة لمقدرته على إثارة التساؤلات حول النظام القانوني والقضائي الأمريكي، من خلال فيلمه الأخير «Gone Girl» يضيف فينشر هذا الفيلم لقائمة أفلامه السابقة التي تثير الجدل وتقدم نفسها بشكل مقبول جماهيرياً ومُحبب نقدياً.
وتدور قصة الفيلم، والتي ربما لا يُنصح بقراءة تفاصيلها «للذين لم يشاهدوا الفيلم بعد»، حول رجل متوسط العمر من الطبقة الوسطى يعود لمنزله ويجد أن زوجته تم اختطافها من مجهولين، يتواصل الزوج مع السلطات المحلية من أجل فك لغز الجريمة الغامضة في وسط حالة من الذهول والصدمة والدعم من قبل أهالي المدينة الصغيرة والذين تغلب عليهم المحافظة على التقاليد العائلية والبروستاتينية يدخل الفيلم في نصفه الثاني في ربكة وعقدة سينمائية جاذبة عندما تبدأ الشكوك حول الزوج نفسه وأنه ربما يكون المسؤول حول اختطاف أو قتل زوجته بعد علم الشرطة المحلية أنه وقَّع عقداً مع إحدى شركات التأمين على الحياة له ولزوجته ويحصل أحدها على مليون دولار في حالة وفاة الآخر، لنستمر معاً رحلة البحث الزوجة المفقودة في أجواء من الترقب والإثارة يجيدها كثيراً المخرج ديفيد فينشر.
لا يقدم الفيلم نفسه كفيلم غموض وإثارة فقط، إنما يُبحر بِنَا الفيلم بشكل عميق في مضمونه المثير للجدل حول النظام القانوني والجزائي في الولايات المتحدة، وكيف تتأثر السلطات التنفيذية بالرأي العام وتأثير الإعلام حول بعض القضايا المصيرية، ويهتم الفيلم أيضاً بجانب نفسي تفصيلي حول الزواج في المجتمع الأمريكي وتركيبته المعقدة، كما نجد في هذا الفيلم جانباً مهماً حول التعددية في تركيبة المجتمع الأمريكي ملخصاً حول ذلك الصِدام المستمر بين شريحة المحافظين والجمهوريين مع اليسار والليبراليين والمتقدمين.
ليس هناك خلاف بقوة الفيلم من ناحية السيناريو والإخراج أولاً ثم التمثيل ثانياً وليس هناك أدنى شك حول ضمان الفيلم الدخول في سباق حول مقاعد أفضل فيلم، إخراج، وكتابة، والمونتاج بلا شك، لكن ربما ينقص الفيلم الضعف في التصوير، من أهم أفلام العام، وإن كُنتُم من عاشقي أفلام المخرج ديفيد فينشر فبلا شك هذا الفيلم هو متماشي مع مسيرته السينمائية الجبارة والتي ربما أهم من أن يتم تكريمها في جوائز الأوسكار.