بين المقال الذي نشره الراحل عبدالكريم الجهيمان عن تعليم المرأة، في جريدة أخبار الظهران، وفقد بسببه منصبه كرئيس تحرير، وتعرض للسجن عدة أيام، وبين إعلان وزارة العدل عن قيد 21 متدربة لممارسة مهنة المحاماة في السعودية، ما يقارب ستين عاماً من الكدح والحلم والمطالبات التي لا تتوقف، من نقل تعليم المرأة من نظام الكتاتيب إلى التعليم النظامي الحكومي، ثم عملها في سلك التعليم، وحتى نيلها شهادات عليا، ثم دخولها في القطاعات الصحية المختلفة، كطبيبة وممرضة وإدارية، ثم الجامعات والمناصب الحكومية ومجلس الشورى، وكل النجاحات التي وصلت إليها بعد تردد طويل من صاحب القرار.
لا شك أننا شعب متناقض حد الملل، فمن رجل يرفض تعليم بناته إلى رجل يطرق الأبواب والشفاعات لعمل بناته كمعلمات بعد تخرجهن، ومن رجل يرفع عقيرته رافضاً دراسة ابنته في الكليات الطبية، ومنكراً عمل السعوديات في المستشفيات، إلى رجل يطالب بألا تكشف على زوجته عند مرضها، إلا طبيبة امرأة، فكيف نوفر -يا قيس- لمريضتك طبيبة امرأة، وأنت ترفض عمل السعوديات في المستشفيات، بل ترفض أصلاً فكرة دراستهن في الكليات الطبية!.
هؤلاء هم أنفسهم الذين أنكروا عمل الكاشيرة في الأسواق المركزية، مبررين أنه من غير اللائق أخلاقياً أن تقف فتاة أمام الآلة الحاسبة وتحاسب العميل الرجل، لكنهم يقبلون وقوف هذه الفتاة كعميل، أمام الرجل الكاشير، لدرجة أنك تصاب بالصداع من هذه التناقضات الغريبة جداً!.
وهم أنفسهم الذين تقبلوا المرأة البائعة على الأرصفة، وفي المقابل رفضوا دخولها كبائعة في عمق المحل، وتحت أجهزة التكييف، حفظاً لكرامتها كأنسانة!.
وهم أنفسهم الذين يرفضون قيادة المرأة لسيارتها بنفسها، في حين يقبلون منحها سائقاً أجنبياً عنها، قد يقوم بمضايقتها وهما وحدهما في السيارة!.. وما زال منذ ربع قرن، تحديداً في عام 1991 وهو يفكر ويناقش ويجادل فكرة قيادتها لسيارتها!.
كثيرة جداً هي التناقضات التي يتورط مجتمعنا في العيش داخلها، ويصاب بالخوف والوجل من التغيير، ويشعر أن العالم سينتهي حينما يقرر أن يخطو خطوة واحدة نحو الأمام، ولعل أسوأ ما في الأمر، أن هؤلاء الرافضين للتجديد، يتهمون الآخرين بالتغريب، ويطلقون عليهم أبشع التهم، حتى يصدر قراراً رسمياً ينهي قضية عالقة.
كلما آمنا بمواهب بناتنا وقدراتهن على الإنجاز، وأنهن شقائق الرجال، وأن المجتمع لا تستقيم خطوته إذا كان يسير بقدم واحدة فقط، كلما فعلنا ذلك تمكّنا من التطور والتقدم، وأصبحنا مثل المجتمعات الطبيعية المتقدمة.
أن تقف المرأة السعودية بشجاعة ووعي وفهم للقانون والأنظمة، واحتراماً للباسها الشرعي الذي يفرضه عليها الدين السمح، أن تقف أمام القاضي لتدافع عن قضية ما، فنحن نسير أماماً، ونشعر بالفخر والكرامة أن أول دفعة من السعوديات المتدربات في مكاتب المحاماة، أصبح النظام يسمح لهن بالترافع عن موكليهن، فالشكر كله والتقدير لهذا القرار، ولهذه الخطوة الإيجابية الصغيرة في طريق طويل وشاق من الأحلام المشروعة والمؤجلة!.