لو قيل بأن امرأة شابة خرجت مع زوجها صباحاً، برفقة طفلهما (خمس سنوات) في يوم إجازة عيد، كي يتناولا الإفطار في أحد المراكز التجارية الشهيرة، وليكن على شارع التحلية بمدينة جدة، لكن هذه المرأة الشابة أصبحت ثكلى وأرملة خلال دقائق معدودة فقط! رغم أنها في مدينة هادئة ومسالمة، لا تخضع لحرب عصابات شوارع ولا تتعرض لطوفان، ولم تفاجئهم هزة أرضية، بحيث انفتحت الأرض فجأة وابتلعهما أمامها!
لو قيل لأحد أن هذه المرأة الشابة أصبحت فجأة بلا زوج ولا طفل، فلم تعد زوجة ولا أماً، والسبب في هذا الدمار النفسي لها، حفرة صرف صحي قطرها تسعون سم، كانت بلا غطاء فقط، سقط فيها الطفل، ولحق به الأب كي ينقذه، فغرق الاثنان في المياه الآسنة، أمام مرأى المرأة المكلومة، وعدد من المارة ممن شهد الحادثة، وممن حاول إنقاذهما، ولم يستطع ذلك.
كالعادة، سيذهب الموضوع إلى التحقيق، وستهب الجهات كلها للوصول إلى المتسبب، بما فيها هيئة حقوق الإنسان، وسيطول الموضوع كثيرا، وسيدفن الشهيدان، ولن يبقى شاهدا على الكارثة سوى شاهدة القبر الذي يحتضن جنازتيهما، فالأمانة كالعادة ستخرج منها كالشعرة من العجين، ورجل الأعمال صاحب المركز التجاري الذي قد تتهمه الأمانة، سيقول حاسبوا البنغالي الذي سرق غطاء البيارة، وباعه خردة حديد في حراج الخردوات!
وربما في بيان الأمانة إشارة مهمة، وهي أن القطر الدائري للفترة كان مرتفعاً بقدر خمسين سم، بمعنى أنه حتى صاحب المركز التجاري، إذا كانت الفتحة داخلة في ملكه، سيكون بريئاً، لأنه وضع حاجزاً بارتفاع نصف متر، لترمى التهمة على الطفل الذي تسلق النصف متر، ورمى جسده داخل الفتحة، تماماً كاتهام المطر بإغراق جدة، الذي ذهب ضحيته غرقى وسيارات وأملاك، دون أن تظهر نتائج التحقيق بعد مرور خمس سنوات أو أكثر!
يطالب أحد المعلقين على الخبر، بأن لا يتعبوا أنفسهم بالتحقيق، لأن المتهم بائع الذرة البنغالي، دون أن يشرح علاقة ذلك، كما لو كان هناك فعلا بائع ذرة، كان هو السبب في صرف أنظار الطفل عن الأرض، حين كان يحدق فيه، دون أن يرى طريقه، كل شيء قابل للسخرية المرَّة والسوداء مما يحدث من أمانة جدة، فهي بريئة في كل الحالات والظروف!
لماذا يحدث ذلك، فلم نكد نتنفس عقب حادثة البئر غير المردومة، حتى جاءت كارثة فتحة الصرف المكشوفة، وأين؟ ليست في صحراء، بل في شارع مهم في جدة، وأمام مركز تجاري! يا للخيبة فعلاً.
ولماذا يمر الموضوع مرور الكرام، ببساطة لأن الأمر ليس وراءه قانونيون ومحامون، يستطيعون أن يقيموا الدعوى على المتسبب، حتى يخرجوا بحكم قضائي صارم، وبتعويض مالي ضخم، حتى لو كانت أموال العالم لا تعوض هذه السيدة فقد طفلها وزوجها، ولكنها وسيلة ردع لمثل هؤلاء، ولهذه الحالة من الإهمال المشين!