كتبت مرة عن معضلتنا المتفاقمة مع ندرة المياه، وأننا لا نوليها على المستوى الحكومي أولاً، والمستوى الشعبي ثانياً، ما تستحقه من الاهتمام.
أحد الأصدقاء اتصل بي وعلق على مقالي قائلاً: لم تتطرق إلى غياب الجامعات.. الجامعة هي الجهة المسؤولة عن بحث ودراسة مشاكلنا ورصدها والتحذير منها، ومن ثم تلمس الحلول لحلها. وضرب لي مثلاً بأنه حين كان يعمل مسؤولاً في بلدية الرياض في السبعينيات من العقد المنصرم، وطرحت مسألة تشجير جزر الشوارع والحدائق على بساط البحث، فأرادوا في البلدية أن يستشيروا (جامعة الملك سعود) عن أيّ من الأشجار والنباتات تتواءم مع بيئتنا الصحراوية وفقرها للمياه، على افتراض أن لديهم بحوثاً ودراسات في هذه التخصصات وبالتالي لابد وأنهم طوروا سلالات شجرية تواكب فقرنا المائي ومناخنا الصحراوي الجاف، وتصلح أن تكون أشجاراً في هذه المجالات التجميلية، لذلك لجؤوا إلى الجهة التي يفترض أن تكون بمثابة (جُهينة) الذي عنده الخبر اليقين.. غير أن جامعتنا العتيدة أظهرت عدم الاكتراث ولم تجبهم على استشارتهم، فلم يكن لديهم أصلاً أي بحوث أو دراسات علمية في هذه الشؤون.
وهذا صحيح؛ فجامعاتنا يصل عددها الآن إلى قرابة الثلاثين جامعة، إلا أنها ليست سوى (مدارس)، همها الوحيد أن تخرج طلاباً يحملون شهاداتها لتمد بهم سوق العمل فلا يستوعبهم إلا بالكاد؛ لأن جل هؤلاء الطلبة يتلقون دروساً نظرية، أما التطبيقية والبحث والابتكار فلا تكاد تذكر؛ ومشكلتنا المائية ورصد حقيقة مخزوناتها، والبحث في مجال تحلية مياه البحر، وطرق الاستفادة من هذه التقنيات والعمل على ابتكار أساليب جديدة للحد من الإسراف في استعمالنا للمياه مثلاً، فتلك في مقاييسهم (خرابيط) لا تسمح لهم بروجهم العاجية من أن ينحدروا إليها، بل لم يُعرف أنهم نزلوا إليها ودرسوها.. معالي وزير المياه والكهرباء مثلاً، بُح صوته، وهو يُحذر من معضلة المياه، ويبذل قصارى جهده، مستخدما كل وسائل الإيضاح والتواصل إعلامياً للتحذير من هذه المعضلة الخطيرة إلا أن جهوده -للأسف- تذروها الرياح، أمام اللا مبالاة شعبياً وعدم الاكتراث حكومياً.
خذ (جامعة هارفرد) الأمريكية الشهيرة والعريقة مثلاً، فقد أعلن قبل أسيوعين الباحثون فيها، أنهم توصلوا إلى إنجاز طبي تاريخي، من شأنه أن يكون علاجاً جذرياً لمرضى السكر، من خلال (الخلايا الجذعية)، وأن الفكرة في مختبراتهم نجح تطبيقها على حيوانات التجارب، وأظهرت نتائج جيدة وواعدة، وهم الآن بصدد تطبيقها على الإنسان خلال السنوات القليلة القادمة، ومتفائلون بنجاحها؛ أي لم يبق في مسيرة أبحاثهم الطويلة ليصلوا إلى مبتغاهم إلا (خطوة) واحدة في طريق الألف ميل.
تلتفت إلى جامعاتنا (العتيدة) فتجد أن أقدمها وأعرقها (جامعة الملك سعود) هي على (طمام المرحوم ناصر المنقور)، حين أسسها عام 1957؛ بل و(دحدرت) هذه الجامعة تحديداً عما كانت عليه عند تأسيسها إلى درجة مخجلة، يكفي (فقط) أن تقرأ تعليقات بعض منسوبيها من أعضاء السلك الأكاديمي في مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة (تويتر)، وانحدار مستواهم الثقافي والعلمي، بل والأخلاقي أيضاً؛ أجزم -وأنا مسؤول عن كلامي- أنك ستقرأ العجب العجاب؛ وليس ثمة لا رقيب ولا حسيب!.
إن جامعاتنا يا سادة يا كرام تحتاج فعلاً إلى (انتفاضة) شبيهة بانتفاضة وزارة التربية والتعليم الجادة والحازمة والواعدة، خاصة في مجالات البحث ورصد مشاكلنا ومجتمعاتنا وما استجد عليها من نوازل وتطورات؛ فالجامعات في كل البلدان المتحضرة هي من تقود مجتمعاتها إلى التنمية والتقدم على كافة المستويات لا لتعليمهم (الهياط في تويتر) والترزز والتركز في وسائل الإعلام، ثم لا شيء يذكر!.
إلى اللقاء،،،