تدخل معه في حوار، ثم يتنبه إلى أنه (ربما) ذهب بعيدا في مناصرة جماعة الإخوان، وتبرير حماقاتها، وآخرها دفاعهم عن (داعش)، ومن دار في فلكها، فيستدرك بقوله: لست إخوانياً، ولكن.. ثم يعود إلى طرحه الذي شعر أنه (قد) يتطابق مع طرح جماعة الإخوان؛ لذلك أصر على أنه ليس إخوانيا!
وهنا أريد أن أنبه إلى نقطة غاية في الأهمية، وهي أن الخلاف مع الإخوان، ومع طرحهم، ليس في كل أطروحاتهم وتفاصيل خطابهم، وإنما في ثلاثة ثوابت من ثوابتهم التي لا يحيدون عنها:
الثابت الأول: إنها حركة تسعى إلى هدم الأوطان وإلغائها وإقامة دولة أممية، يشترك فيها جميع المسلمين، أو (الأمة) كما في خطابهم تحت مسمى (دولة الخلافة)، كما كانت تسمى دولة الخلافة العثمانية التي انهاها أتاتورك.
الثابت الثاني: إنها دولة تجعل من (الانتماء المذهبي) مطية لتحقيق أهداف سياسية. وهذا الأسلوب، وإن نجح في أزمان مضت، إلا أن مزاج البشر الآن وثوابت التشريعات الدولية، ومفاهيم حقوق الإنسان، وكون الوطن لجميع ساكنيه، دون فرق بينهم دينيا أو مذهبيا أو عرقيا أو في الجنس، يجعلها غير صالحة لتوائم شروط البقاء في هذا العصر.
الثابت الثالث: إنها تتخذ من العنف وسيلة لتحقيق إقامتها، أو أنها تشجع على العنف وتتحالف معه، لتوظفه في مصلحتها، هذا إذا قبلنا -جدلاً- ادعاءات بعض أساطينها أنها بذاتها حركة غير عنفية.
داعش لم تخلط الأوراق، وتكشف الإخوان على حقيقتهم، وتضع الحركيين المتأسلمين في مأزق، لولا أنها فتحت كتب التاريخ واستوردت منها شرعيتها، وتبنت العنف بوحشية وبربرية لم يعرفها العصر الحديث قبلها. وداعش لم تعلن دولة الخلافة، وتنصب البغدادي خليفة، وتفرض على مسيحيي الموصل أن يدفعوا الجزية، لو لم تطرح جماعة الإخوان هذا المنهج في أدبياتها؛ لذلك فالبغدادي حينما طلب من الظواهري زعيم القاعدة، وبقية جماعة الإخوان، والسروريين منهم بالذات، أن يبايعوه، وإلا أهدر دماءهم، لأنهم تمردوا على الخليفة، هو في الواقع يطبق المنهج ذاته الذي تطرحه (الجماعة)، وهو المنهج الذي كان يطبقه الخلفاء، في الماضي، خاصة خلفاء بني عثمان.
لذلك فإن كبيرهم، ومنظرهم المعاصر «يوسف القرضاوي»، حينما شعر بالحرج، صرح من قطر يحاول التخلص من المأزق قائلاً: (كلنا نحلم بالخلافة الإسلامية على منهاج النبوة، ونتمنى من أعماق قلوبنا أن تقوم اليوم قبل الغد، ولكن الإسلام علمنا، ومدرسة الحياة علمتنا: أن المشروعات الكبرى لا بد لها من تفكير طويل، وإعداد ثقيل).
أي أن ما فعلته داعش، واحتج عليه القرضاوي، أنها أعلنت (دولة الخلافة)، قبل أوانها؛ كالذي يحتج فقط على أن تسكن البيت قبل أن ينتهي تشطيبه!
بقي أن أقول: إن أهم ما أنجزته داعش، ويمكن أن تكون حسنتها الوحيدة، أنها جسدت للبسطاء والسذج معنى أن نفتح كتب التاريخ، ونستحضر منها الماضي، ثم نفرضه بالقوة على الحاضر، وهذا بالمناسبة هو منهج وخطاب جميع المتأسلمين السياسيين، الذين خرجوا من تحت عباءة جماعة الإخوان. سواء اعترفوا أنهم اخوانيون، أو أصروا على نفي إخوانيتهم وتبرأوا منها، كما هو (صاحبنا) الذي أشرت إليه في بداية المقال.
إلى اللقاء