(القائد).. هكذا كان يلقبه الغرب وهي أعلى مكانة موسيقية عندهم. إنه أول متنبئ بـ»القافلة التائهة»، حيث أصدرها في تقاسيم صافح بها العالم في بداياته.. هو مزاج بابل.. الموسيقار العالمي.. منير بشير الذي لم يعزف العود أفضل من يده، وعبقريته، والحائز على عشرين وساماً تقديرياً من دول كثيرة حول العالم ثلاث منها فقط عربية.. عاش حياته كأي عروبي مجنون بعروبته وعروبة العود.. وريشة العواد، المفتون حد البكاء بجذور الموسيقا العربية.. والطرب العربي.
من مواقفه كمثقف، مسؤول عن مبادئه تجاه الوطن والشعب، حين أرادت جهة ثقافية كندية المبادرة بتكريمه، بعد حرب أمريكا الأولى على العراق ، فرفض رفضاً حاسماً تلك الدعوة بسبب أنها موجهة من ضفة أمريكية، وأنه لن يقبل التكريم من قتلة الشعب العراقي.
قال في حوار تلفزيوني قديم جداً: إنّ الموسيقا الهابطة تُفسد مخيلة الناس.
كما يسرد زميله في فرقة التراث عبر برنامج وثائقي عن سيرة الراحل: ذهبنا لإحياء حفلة في قاعة الخلد ببغداد 1976، فلم يحضر سوى حارس القاعة وزوجته وأطفالهم. انتظرنا حتى الثامنة ولم يحضر أحد.. وقفنا على سجيتنا لنلملم أنفسنا ونعود. فغضب منهم القائد وعاتبهم بقوله: «وماذا سيقول هذا الرجل لزوجته وأبنائه؟ هل سيقول لهم لم يحضر جمهور!!». ليقدموا تلك الحفلة كاملة، وبلا نقصان.
في شأن آخر، يوضح القائد لصحيفة فرنسية، حول ظاهرة الارتجال «المدهشة» في عزفه، إلى أنه - نظرياً - لا يحب الخروج عن اللحن المكتوب، واستدرك: لكني أحب الارتجال أثناء انسجامي مع العزف ولا أستطيع التغلب على هذا الحب، بمعنى : لا بأس أن يتأثر عزفك للحن بإحساسك الخاص، المهم أن نفعل ذلك بـ(إحساس)، فنحن بدون الإحساس لن يمكننا فعل شيء.
أما زوجته فقد قالت الكلام الأهم حول منير بشير: الحمد لله أنه رحل ولم يشهد الاحتلال الأمريكي 2003 للعراق.
وفي سياق هذه الفكرة الأكثر أهمية هنا، جدير بالقول: الحمد لله أنه رحل قبل تدنيس داعش للمكان الذي كونه ونبت من أجوائه (الموصل)، وقبل أن يشهد نبأ تتار الجهاد الإسلامي وهم يمحون وجهه، وكل مقدساته وذاكرته!.
نعم، فلنحمد الله أنه رحل قبل أن يشهد كيف هجّر الإرهابيون أهل مدينته الأولى، وغيرها من المدن، وطالبوهم بدفع الجزية مقابل البقاء داخل جلودهم! وقبل أن يشاهد هويته وذاكرته ووجوده كإنسان وهي موسومة بالحرف (ن).
والحمد الله كثيراً - أنّ هذا العبقري الاستثنائي والعاشق المرهف - قد رحل إلى وجه ربه، قبل وصول «القافلة التائهة» إلى وطنه العراق والتي تحمل على متنها كل هذا القبح الإرهابي المشين، وإلاّ كانت - تلك القافلة التائهة - ستجعله «نصرانياً» نازحاً إلى أربيل، وليس القائد.. الموسيقار العالمي.. وليس مزاج بابل.