منذ الأزل، وهذه البلاد تجمع أهازيج أهلها وحدائهم، وتعبر بها الحدود والأجيال. لا يوجد أعرق ولا أكثر ثراءً غنائيا من هذه الأرض بتنوعها ومركزيتها على مر العصور. أينما اتجهت في وطننا ستجد ما يجسد المكان من تراثه الصوتي الغنائي. ما يجعلنا أمام لوحة مازالت متوارية لنسيج مذهل من التراث الإنساني الغنائي الذي يمكن أن يوثق السيرة الاجتماعي لحياة الناس بشكل يتفوق بكثير على التوثيق التاريخي التقليدي.
غير أنه تراث صعب المادة، فهو لا يمكن أن يكتب إلا في مرحلة النوتة وهي مرحلة حديثة جدا، ولكننا نعيشها اليوم ، وأصبح بإمكاننا الاستفادة منها، فضلا عن تقدم تقنيات تسجيل الصوت من كل النواحي، ولا مجال للإطالة في الحديث عن التقدم التقني الذي سيقطع شوطا مضنيا في مشوار توثيق الصوتي.
في الفترة القريبة الماضية علمت من مصادر أكيدة، عن مشروع ضخم تعمل هيئة السياحة والتراث على دراسته، وملخصه هو هذه الخطوة الوطنية الهامة والضرورية لتوثيق التراث الصوتي في كل مناطق المملكة وبكل تنوعاتها وثرائها.
وفي ظني ، بل إنه الاحتمال الوحيد أمامنا، أن هيئة السياحة والآثار ما كانت ستفكر في هذا الصدد لو لا أن غيرها من المؤسسات قد رفع يده عن هذا المشروع البدهي في أي بلد في العالم.
وأعني تحديدا جمعية الثقافة والفنون التي مازالت إلى اليوم غير قادرة على الحضور بشكل صحيح، أو حقيقي ، أو ملموس!.
إننا وطن غني بالتراث والعراقة ، وهذا أمر لا أورده من باب التفاخر ولكن من التحسر على ما يضيع أمام أعينا من مكتسبات ثقافية وحضارية لا يُفرّط فيها أبدا ، دون أن نفعل شيئا ، أو نستدرك ما يمكن استدراكه.
وإن فعلت ، هيئة السياحة والآثار هذه الخطوة ، فستكون ضمن أهم نجاحاتها على الإطلاق ، حيث ستقدم بذلك مشروعا وطنيا ثمينا جدا ، سيكون مرجعا للمهتمين بفنون والصوت وتاريخها من حول العالم، فضلا عن توعية المجتمع بأهمية الفن في حياة الإنسان ، وبأن أمة لا تغني هي أمة مهزومة.