شهد يوم الأحد الماضي، أول يوم تداول بسوق الأسهم هبوطاً حاداً بمؤشر السوق بلغ 6.5 بالمئة، وهو أقسى هبوط بالمؤشر منذ عام 2011م، إلا أن حجم التداول كان أقل من المتوسط للشهور الماضية بحوالي 20 بالمئة، وهو مؤشر جيد، لأن أي هبوط بتداولات عالية يكون مقلقا للمتعاملين بالسوق، كونه إشارة على رغبة بالتخلص من الأسهم والاحتفاظ بالسيولة. فما حدث أن البيوع لم تكن بمستوى كبير، وهو ما يجب أن يفتح الباب على تحليل أوسع لمدى جاذبية السوق.
فالهبوط الحاد بالسوق ليس بجديد من حيث حجمه، واحتمال تكراره بالمستقبل حتى لو بعد سنوات قائم، إذا لم تتغير الكثير من الأساليب التي تدار بها طرق التداول الحالية، والتي تعتمد على شراء وبيع الأسهم فقط. فلابد من إضافة أدوات تداول تسمح بالتدخل لوقف النزف أو الارتفاع الحادين بالأسعار، ولابد أيضاً من إيجاد صناع سوق معروفين، وذلك من خلال إقرار نظام صانع السوق المعمول به عالمياً. والمقصود هو السماح للمؤسسات المالية بأن تكون صانعة لحركة السهم وفق ضوابط معروفة، كما يفترض التعجيل بإقرار نظام الشركات الجديد الذي يسمح للشركات بشراء أسهمها.. كما أنه من الممكن منح صلاحيات لهيئة السوق المالية أو شركة تداول بأن توقف التداول إذا هبط أو صعد المؤشر بخمسة بالمئة لمدة نصف ساعة أو ساعة، كي يقرأ المتعاملون الأسباب بشكل أفضل مع إصدار بيانات رسمية حول السوق إذا تطلب الأمر.
وبالعودة إلى ما حدث بيوم الأحد، فعند الهبوط الحاد تكثر التأويلات والتحليلات لتجيب على سؤال وحيد، لماذا هبط المؤشر؟.. والسؤال مشروع، ولكن لو جمعنا الإجابات عنه لرأينا أنها متعددة، وكلها يمكن اعتبارها صحيحة بناء على المعطيات التي تظهر للعلن، وتركزت غالبيتها حول انخفاض أسعار النفط، والتحذير من مؤسسات مالية عالمية رسمية من مخاطر تحيط بالاقتصاد العالمي متركزة بمنطقة اليورو، بالإضافة للأحداث السياسية بالمنطقة.. إلخ من العوامل التي ربط الهبوط بها.. لكن ما تشهده أسواق المال والسلع عالميا من تراجع ليس بالحدث الغريب عموماً، لأنها بدأت من عدة أسابيع، وكانت الكثير من التوقعات والتقارير تشير لحدوثها تبعاً للارتفاعات القوية التي عاشتها تلك الأسواق منذ سنوات، وسجلت خلالها أرقاماً تاريخية جديدة، فكان أول التوقعات بأن التصحيح سيطالها حتى تستعيد زخمها، خصوصاً أن مرحلة جديدة ستدخلها الأسواق بعد توقف التيسير الكمي في أميركا، والذي سينتظر بعده مدى قدرة الاقتصاد الأمريكي على الصمود، وإظهار التعافي وعدم الاعتماد على الضخ المالي من الفيدرالي الذي استمر لسنوات طويلة.. وذات الأمر ينطبق على اقتصاديات اليورو والصين، لتبدأ مرحلة فحص دقيقة لمدى تعافي الاقتصاد العالمي، وتوجهات الأسواق المستقبلية.
لكن إسقاط كل تلك التحليلات للإجابة على سؤال لماذا هبط السوق المحلي ليست كافية لتبرير ما حدث أو تفسيره، فأسعار النفط، سواء بمستواها الحالي أو إذا ما استمرت بالهبوط، لا تعني أن تأثيراً كبيراً سيقع على اقتصاد المملكة، فمازال الانفاق الحكومي كبيراً، وما لم يتم تنفيذه بالخطة التنموية الحالية التي شارفت على الانتهاء سيرحل للخطة القادمة، مع مزيد من الإنفاق والذي لن يكون بمجموعه بنفس الخطة الحالية، لكنه من المتوقع أن يكون كافياً لتحقيق معدلات نمو جيدة تفوق نمو الاقتصاد العالمي. كما أن تكاليف تلك المشروعات مغطاة، سواء من الاعتمادات السابقة أو الاحتياطيات الكبيرة التي تملكها المملكة إذا اضطرت لها.. وبالتالي، لن يكون هناك عجوزات بالموازنات القادمة كبيرة، ترفع من مستوى الدين العام المنخفض جداً حاليا لمستوى 2.6 بالمئة قياسا بالناتج المحلي . كما أن ذلك يعطي ميزة للاقتصاد بتمويل أي مشروعات قادمة بأدوات تمويل منخفضة التكلفة. أما النفقات الأساسية، كالرواتب وبنود التشغيل، فإن أي سعر حول 60 دولاراً للبرميل سيكون كافياً لتغطيتها، فيما تبقى المشروعات الإستراتيجية، كالنقل العام داخل المدن ومشروعات الإسكان وكلها تم رصد مبالغ لها سابقاً، أي أنها خارج بنود الميزانيات للأعوام القادمة. من كل ذلك سنجد أن نمو ربحية أغلب قطاعات السوق المتوقعة لن تتأثر كثيراً مما يجعل السوق مستمر بجاذبيته خصوصاً أن المكررات الحالية ليست بالمتضخمة للسوق عموماً كما أن تنشيط قطاع الإسكان من قبل القطاع الخاص سيكون له أثر إيجابي كبير بالاقتصاد مستقبلاً، ويبقى قطاع البتروكيماويات هو الأكثر ارتباطا بالاقتصاد العالمي، إلا أن التأثير عليه لو حدث فلن يستمر طويلاً، لأن هبوط أسعار النفط سيعيد الحيوية من جديد للاقتصادات الكبرى التي تحتاج إلى خفض بتكاليف الطاقة ومدخلات الإنتاج.. لكن أيضاً لن يكون انخفاض أسعار النفط كبيراً بما يعود بالضرر على المنتجين، لأن استمرار الأسعار بمستويات تدر دخلاً جيداً للمنتجين يسهم بتحسن الاقتصاد العالمي، نظراً لإنفاق تلك الدول على مشروعات التنمية فيها، والتي تزيد من حركة النشاط التجاري الدولي، والطلب على السلع والخدمات التي تأتي غالبيتها من الاقتصادات الكبرى، ما يعني أن المصالح متداخلة بين دول العالم، ولا يمكن تغليب مصلحة على أخرى بحدود كبيرة. أما الأحداث السياسية فهي مستمرة منذ عقود بالمنطقة، وتى الأحداث الأخيرة بدأت منذ شهور واعتادت الأسواق عليها، ولو كانت خطيرة جداً لما رأينا سعر النفط يستمر بالهبوط، أما التحذير من مخاطر اقتصادية عالمية، فهو مستمر منذ بداية الأزمة العالمية قبل 6 أعوام، وحتى الاحتمالات ليست بالكبيرة إلى الآن لعودة الأزمة الاقتصادية من جديد، لكن التحذير يبقى مهما كي تكون خطط الإنقاذ أو حتى المستثمرين تقوم على الأخذ بعين الاعتبار حسابات تلك المخاطر لتجنبها أو تقليل أثرها.
لكن السؤال المهم يبقى، ماذا بعد كل ما حدث من تراجع بالسوق وحتى بأسعار النفط وكل الآثار التي ترصد كاحتمالات سلبية على مستقبل الأسهم المحلية؟.. والجواب على هذا السؤال يحتاج لأبحاث معمقة، يفترض أن تصدر من المؤسسات المالية، وتكون مفصلة بالتأثيرات على كل قطاع بالسوق، وليس نظرة شاملة على الاقتصاد المحلي فقط. ولكن حتى نضع مقاربة للتوقعات القادمة على مجمل أرباح السوق ومستقبله، فإن شيئاً من الأساسيات التي تدعم توقعات نمو الأرباح لم تتغير، وما يحدث من تقلبات بالسوق ارتفاعاً وانخفاضاً لا يعدو بالقراءة الأولية أكثر من أمر طبيعي بحركة الأسواق، إلا أن على المستثمر بالسوق أن يبتعد عن العاطفة بقراره، ويقرأ الفرص المتاحة بشكل جيد، وأن يقيس حجم المخاطر كي يقلل من أثرها عليه أو يتجنبها. فكل التوقعات تصب إلى الآن بأن هناك فرصاً نمو بالأرباح جيدة، وعليه أن ينتقي منها الأفضل، وأن يبتعد عن العشوائية بالتداول، وأن يأخذ بعين الاعتبار الأسس العلمية لانتقاء الفرص من حيث العائد ومكرر الربح المستقبلي، والأسس الأخرى التي تساعده بقراره.
الأسواق المالية لها دور كبير بالتنمية الاقتصادية، وما تمر به من تصحيحات أو جني للأرباح نمط طبيعي معتاد، إلا أن تطوير الأسواق بمختلف الاتجاهات والمستويات يساعد على ضبطها، ورفع كفاءتها لتكون عاملاً مسانداً للتنمية وتوظيف المدخرات، بما يرفع من حجم الثروات وتحسين الدخل للمستثمرين وزيادة بالطاقة الاستيعابية للاقتصاد، من خلال تمويل الشركات، والحفاظ على المنشآت الخاصة، التي تحول لتكون مساهمة عامة، بشرط أن تكون ذات قيمة مضافة للاقتصاد والسوق والمستثمرين.