عاود الجدل للظهور على السطح من جديد بين الأوساط الماليَّة والعامَّة في السعوديَّة حول قضية تضارب وتباين الفتاوى حول جواز عمليات الاكتتاب بأسهم الشركات المقرر إدراجها في السوق الماليَّة المحليَّة ما بين محلل ومحرم، وذلك نتيجة عدم وجود معايير شرعية موحدة لمرجعية تلك الفتاوى.
وشهدت الأطروحات المقدمة من قبل عدد من المختصين تساؤلات حول مدى تأثير وأهمية إنشاء جهة شرعية مستقلة تتولى البت والإيضاح في جواز عملية الاكتتاب أو التداول في الأسهم ووضع الضوابط والمعايير الشرعية للتعاملات الماليَّة والإشراف على اللجان الشرعية في المؤسسات المالية.
ويرى المختصون أن من أهم الآثار الإيجابيَّة من وجود هيئة شرعية مستقلة هو توحيد الفتاوى بالإضافة إلى تنوير المجتمع من خلال الاكتتاب أو التداول في الأسهم، وأيْضًا سيسهم ويشجع الشركات ذات الأسهم المختلطة أو التي لم تجز من مجمع الفقه بالالتزام والتقيد بالضوابط الشرعية وتحويل نشاط الشركة إلى الأمور المباحة. وتابعوا: يوجد تضارب في الفتاوى الخاصَّة بالاكتتابات بحكم اجتهادات المشايخ ورجال العلم لذلك من الضروري أن تكون هناك مرجعية لهم، كما تَمَّ المطالبة بها سابقًا وهي هيئة شرعية مستقلة متخصصة في الفتاوى والأحكام.
وأكَّد المختصون، أن وجود مثل هذه الهيئة لن يحدث ضررًا بالاقتصاد الوطني لكونها ستحدث تميزًا بين الشركات وستوجه الأنظار إلى الأنشطة والاستثمارات المباحة وصرف النظر عن غير المباح، وأيْضًا سيكون هناك تقنين يوجه الشركات إلى البنوك الربوية مما سيجعل هذه البنوك تلجأ إلى تطوير وتحويل منتجاتها التمويلية إلى إسلاميَّة ووفق الضوابط الشرعية. وأضافوا: ينبغي ألا نتحسس كثيرًا من التنوع في الآراء الشرعية في مثل هذه المعاملات كما الحال في الآراء الاقتصاديَّة وغيرها فيما يتعلّق مثلاً بجدوى الاكتتاب من الناحية الاستثمارية أو بالمخاطر المتوقعة ونحوه، فهناك من الفقهاء من ينطلق من القول بتحريم الاستثمار والمتاجرة في أيّ شركة خالطها نشاط أو استثمار محرم مهما كان قدره، وهو ما يمكن أن يطلق عليه (الشركات الخالية من المحرمات الظاهرة) وهناك من ينطلق من القول بجواز الاستثمار أو المتاجرة في ذلك النوع من الشركات ولو خالطها شيء يسير من المحرم الذي قد لا يمكن التحرز منه وبحسب الضوابط المقررة لذلك مع اتفاقه مع غيره من الفقهاء على أن ذلك الجواز لا يعني تحليل ذلك المحرم، ولا السماح باستمرار وجوده؛ بل يوجب التخلص منه من كل قادر بحسبه.
وفيما ذهب بعض المختصين في مطالبه إلى ضرورة إيجاد هيئة شرعية كمجمع فقه إسلامي مختص في الفتاوى والأحكام لتكون مرجعيتها دار الإفتاء من أجل ضبط السوق الماليَّة من ناحية المعايير الشرعية الواجبة التطبيق على الجميع من مؤسسات ماليَّة ومستثمرين، وإجازة المنتجات المحليَّة التي ستقدمها أيّ من تلك الجهات، للاطمئنان على سلامة التطبيق ودعم الثقة في أعمال وأنشطة تلك المؤسسات. يَرَى البعض الآخر إلى توسيع مهامها لتشمل جميع مجالات الصناعة الماليَّة في البلاد، بحيث تكون متخصصة في حقول الاقتصاد الإسلامي تجمع بين أفضل المؤهلين والمتميزين في العلوم الشرعية والاقتصاديَّة والعلوم ذات الصلة لتحقيق مجالاته وضوابطه وترتكز إلى فتاوى المجامع الفقهية وهيئة كبار العلماء، بهدف ربط جميع المواد والأدوات الماليَّة للاستثمار وتعاملاتها بمعايير وضوابط شرعية لتكون خالية من الفوائد والتعاملات الربوية والعقود الفاسدة، وهو ما يحقِّق المقصد الضروري العام في التشريع وهو «حفظ المال» بتكثيره ومنع الفساد فيه. كما أن مثل هذه الجهة ستسهم في التنسيق والتقارب بين اللجان الشرعية في المؤسسات المالية، مما يحدث ردود فعل إيجابيَّة في الأداء في النواحي الماليَّة والاقتصاديَّة، ومن ثمَّ إمكانية إحداث تطوير جذري في أداء تلك المؤسسات وتذليل الكثير من الصعوبات، والمساعدة على بلورة رؤية واضحة للأحكام الفقهية في المصرفية والتمويل والاستثمار والتجارة.