ومَا الْخيْلُ إِلا كالصَّديقِ قلِيْلة
وإِنْ كَثُرَتْ في عَيْنِ مَنْ لا يُجَرِّبُ
راح الصديق أشباح ليلٍ بـه أحلام
سراب صحصاحٍ به الزول زامي
للشعر الاجتماعي الفصيح وصنوه الشعبي دوره الإيجابي الكبير في حياتنا؛ فهو حصيلة تجارب من عاشوا المواقف على تنوعها وأهدونا فحوى حصيلتها الإيجابية لتنير لنا طريق أزاحت غموضه معاني نماذج الشعر بعد أن أضاء الشعراء المبدعون ما يكتنف جنبات منعطفاته من تَوجُّس وحيرة استعارت من الظلام كثيراً من صفاته في غياب شمس الحقيقة الدامغة التي تجلو كل زيف - لتُفَعِّل نص مقولة «لا يصح إلا الصحيح».. وتحديداً فيما يخص من اصطفيناهم كأصدقاء ومنحناهم ثقتنا المتناهية ومحبتنا الكبيرة في الله، ووقفنا معهم مواقف لن نمن عليهم بحجم إيثارنا لهم فيها وتضحياتنا من أجلهم لا ينكرها إلا جاحد - كأشباه الأصدقاء - وبالتالي، فإن تسليط الضوء على مثل هذا الأمر هو عبرة تتوارثها الأجيال.
يقول الشاعر المتنبي:
وما الخيل إلاَّ كالصديق قليلة
وان كثرت في عين من لا يجرب
فأصالة الصفات وجه من وجوه الشبه بين الخيل والأصدقاء -ولكن بعد التجربة لا قبلها-.
يقول الشاعر زهير بن أبي سلمى:
وَهَلْ يُنْبِتُ الْخطِيُّ إِلاَّ وَشِيجَهُ
وَتُغْرَسُ إِلاَّ فِي مَنَابِتَها النَّخْلُ
فكل سلبية سلوك أشباه الأصدقاء من (تلوّنهم وإظهار أحدهم ما لا يبطن) سبق أن تكررت في الأجيال منذ مئات السنين وهي ليست أمرا جديدا إلا على حديث التجربة في الحياة، الذي قد يغيب عن فطنته مثل هذا الأمر. يقول الشاعر المعري:
كَمْ صَاحِب يَتَمَنَّى لَوْ نُعيتُ لَهُ.!
وَإِنْ تَشَكَّيْت آخَانيْ وَفَدَانِي.!
لهذا، فإن التسامح والمرونة في غير محلها أمر لا تحبذه النفس الكريمة الأبية، وأي تجاوز شخصي باسم الصداقة مرفوض، فالصداقة الحقة هي ما تدفع الصديق لرفع شأن صديقه في كل موقف ومناسبة، أما التصرّف من الصديق بخلاف ذلك فهو تصرّف مردود عليه.
يقول الأمير الشاعر/ عبدالعزيز بن سعود:
من لا رفع لك بالملاقا ذراعه
نَزِّه يمينك عن ملامس يمينه
لا صار باعك خمسة أبواع باعه
خلّه يوفِّي بالمقاييس دينه
سنبوق ينشر وسط بحرك شراعه
وموج البحر لاهاج غرَّق سفينه
وش وهّقَهْ يعرض رخيص البضاعه
في سوق غالي والفوارق ثمينه
من لا يعزِّكْ لوك تغليه باعه
مبداك والنفس العزيزه حصينه
ومنها قوله:
خذها نصيحه من مجرِّب وداعه
اللي يعينك تنهزع لا تعينه
كما أشار كبار الشعراء مثل الشاعر عبدالله بن عون لنماذج يجب أن يتجنبها كل عاقل في نظرته الثاقبة لاختيار صفوة الأصدقاء كالنمّام أو مُدّعي الشجاعة وهو جبان، أو الوقح في ألفاظه البذيئة:
قبيح الكلام اللِّي ليا منّه اجترى
على عرض غافل قام يسرد سرايده
وإن قلت له مخطي على الهرج بالقفا
درعت بنشب يالله إنك تهايده
يمثل لعنتر بالشجاعة وبالفخر
وهو لو تجيه الأرنب أخذت فوايده
هذا يالله إنك لا تكثِّر نمونته
وليا مدّ جعله ما تثني مدايده
فلا ناقصٍ حيٍّ يفارق نزولهم
وحيٍّ يبي يلفيه ماهوب زايده
أقوله وأنا مالي مع الخبل ملتزم
ولاهوب رايدني ولا نيب رايده
غرامي رجال الجود والمجد والوفا
أهل ماقفٍ يثنى عليه بحمايده
كما أن الجرح الذي يسببه خذلان الصديق لصديقه له وقعه المؤلم على النفس التي لا يرضيها إلا فراق أزلي ليس له مدى لعل وعسى أن يشفي شيئاً مما في الخاطر.. يقول الشاعر سعد بن جدلان الأكلبي:
البارحه يوم الأوادم خواشيع
في نومها وأنا على الكوع واعي
همٍ يمزّع سترة الجوف تمزيع
تقول ينهش ثومة القلب أفاعي
خذت القلم من بين روس الاصابيع
وحبّيت أميّز سيرتي وانطباعي
عَزّلت من صدقان عطلة الأسابيع
وعَزّلت من ضحك الوجيه الصناعي
وعزلت من بنينٍ بآمالي مشاريع
جميد برد ولا أونس الشمس ماعي
وعَزّلت من زرع الخلي البلاقيع
وعزلت من رفع الثنيّه رباعي
من نفعة اللِّي ما طلبني منافيع
جميلةٍ في غير أهلها ضياعي
بسْوَاقها ما عاد لا أشري ولا أبيع
اللِّي على الرفقه يسوقه دوافيع
هذاك تشرى رفقته ما تباعي
إما يشجعني على الطيب تشجيع
وإلاَّ يعلمني حميد المساعي
والا ليا منّه رمعني رواميع
وضاقت علي كل الفجوج الوساعي
جيته ويَسّر لي عسير المواضيع
وخلاَّ خفايا خاطري له وساعي
معرفته ماهي معرفة طماميع
ما تنتج إلاَّ الغطرسه والضياعي