وهو ليس فقط إرضاء لتعطش الشباب للشعور بالابتهاج والاحتفال بمناسبة جماعية.. بل هو أيضا فرصة لتأكيد الشعور بمعزة الوطن وأنه للجميع وتوقيع الشعور بالانتماء.
وجاء موسم الحج فاحتفينا به وقام شبابنا المؤهلون كل في موقعه بالقيام بكل مسؤولياته. حتى رائداتنا قمن بدورهن عن متابعة الأطفال التائهين وإعادتهم بسلام لذويهم المفجوعين.
وكان اهتمامنا بنجاح موسم الحج وسلامة الحجاج الذين قارب عددهم ثلاثة ملايين واضحا للعالم كله.. إنجاز مبهر لم ينكره إلا مفتر أثيم غلب عليه هوى نفسه فتمنى أن يجد فيه موقعا للنقد.
لم يغب عن المراقبين مدى الجهد الذي بذل في احتفالات اليوم الوطني وفي القيام بمسؤولية موسم الحج. وفي كليهما رسالة واضحة لكل من يطلق شعارات أن الولاء ليس للوطن بل لانتماء حزبي أو ديني بمارس الإقصاء.
انتماؤنا واضح ومسؤوليتنا مزدوجة ولن نعجز عن القيام بها.
بناء الشعور بالانتماء المزدوج للوطن السياسي وللعقيدة هو لب القضية.
وفي الحالتين هو شعور نخرته عقود من ممارسة الجفاف المجتمعي وإساءة تفسير علاقتنا بالآخرين والمرأة والتراث؛ إضافة إلى التأليب الطائفي وإضعاف أواصر المواطنة بالتأجيج الداخلي تحت تبرير الضرورة الدينية. ولذا ليس غريباً إن انتهينا بوحش نما تحت أعيننا وفي ساحتنا الخلفية ينتمي لفصيلة الإرهاب المشرعن.
والإرهاب مرفوض بأية صورة جاء أو حاول المغرضون شرعنته.
الآن نمر حالياً في الخليج بحالة واضحة من التوتر محلياً أمام تداخل عوامل المستجدات العربية والإقليمية والعالمية, تبلورت في الاستنفار والتأهب لمواجهة الحراك الإرهابي المسمى «داعش».
ولن أدخل في تفاصيل تحليل أكاديمي يتناول جذور الدعشنة, من أين أتت ولأي مرحلة تاريخية تعود؟.. وهل هي خارجية أم جاءت كطفرة مرضية منا وفينا.
الواضح أنها تهديد مباشر للأمن الإقليمي، إذ بدأت تنهش في الشمال وتستقطب كل مريض نفسي يعاني من تصور نفسه يعاني الاضطهاد, أو يشتهي ممارسة الدموية , أو يظن أنه سيغسل ذنوباً متوهمة ويتقرب إلى الله بقتل عباد صنفوهم له كفارا. والقضية الأهم في النهاية هي قضية أمن شامل للمنطقة والعالم بدأت داعش تستهدفه.
سبق أن أكدت أن الأمن الوطني هو أهم ما يجب أن نعض عليه بالنواجذ لحمايته. ونظرة حيادية لأحداث المنطقة في الأربع سنوات الأخيرة تكفي لتأكيد ما أقول. ويرد بعضهم أن حقوق المواطن هي القضية الأهم. صحيح حقوق ورضى المواطن قضية مصيرية لكونها مرتبطة بأمن المواطن. ولا مواطن إلا في وطن!
وسؤال مهم ما الذي يسبب الضعف في الشعور بالمواطنة إلى حد فقدان الشعور بالانتماء؟ رجالا ونساء؟
تقول أسطورة يونانية إن ما اسقط المدينة كان خدعة حصان طروادة الذي أدخل المهاجمين المتخفين إلى قلب المدينة بفعل سكانها أنفسهم إذ أدخلوه إلى الداخل. وتقول اسطورة صينية مشابهة أن سور الصين العظيم لم يمنع سقوط الإمبراطورية أمام الغزاة من الخارج. ولم يتم ذلك بتحطيم السور بل باختراق ولاء الساكنين في الداخل وإغرائهم بفتح البوابات ليتسلل الأعداء.