قال أحد الإخوة الفضلاء الذين يثمنون عالياً أدوار الكتاب، المغرم بمتابعة كتاباتهم، وتقدير جهودهم وما يطرحونه من آراء وأفكار في العديد من الصحف السعودية، قال: مع التقدير الكبير لما يبذله الكتاب من جهود، وما يقضونه من أوقات في بلورة ما يرونه من رؤى، ويطرحونه من أفكار ومعالجات، إلا أن حالهم كحال من ينفخ في قربة مشقوقة، أو من يصرخ في صحراء قاحلة، حتى الصوت الكاذب، الذي يدعى صوت رجع الصدى (بنت الجبل) لم يعد يسمع صداه كما جرت العادة في مثل هذه الحالات.
قلت: الكاتب صاحب رسالة، دوره المشاركة في تناول قضايا مجتمعه تناولاً أميناً صادقاً عادلاً موضوعياً، وهو حين يتناول القضايا لا ينتظر جزاءً ولا شكورا، ولا ينتظر رداً أو تجاوباً مباشراً، المهم أنه حرّك الماء الراكد، ولفت الأنظار، أما أمر التفاعل والتفعيل فمتروك للجهة وتقديرها فهي الأدرى بشؤون جهازها وما يحقق له المصلحة.
قال: أعني الجهات الحكومية التي يعنيها الأمر، لم تعد بتلك الحماسة في المتابعة والاهتمام والتفاعل مع الكتاب ولو من باب الإحاطة والمجاملة، فالجاد من تلك الأجهزة يجمع المقالات التي تعنيه في ملازم، ومن يوزعها على الأقسام المعنية في الجهاز، إلا أن مآلها في النهاية أحد الرفوف الفارغة، والبعض الآخر يكتفي بقراءتها قراءة مستعجلة وبنفسٍ يشوبها الامتعاض المسبق، وهناك من يعرض عنها تماماً لا يجمعها ولا يقرؤها قلت: في كل الأحوال هذا أمر حسن.
بطبيعة الحال ليس كل ما يراه الكتاب ويطرحونه من آراء وأفكار يرقى إلى درجة من الكمال والتوفيق والصواب، بحيث يعد ملزماً للجهات الحكومية، أو مناسباً لنواياها وتوجهاتها المستقبلية، وهذا أمر بدهي ومفهوم، لذا ينبغي تلمس الأعذار لتلك الجهات فهي الأدرى بما يتوافق مع حاجة توجهاتها ونواياها.
لكن من المؤكد في الوقت نفسه، أن بعض الكتابات تتضمن أفكاراً إبداعية، وفيها مضامين إيجابية، وحلولاً عملية، فيها حقائق مشرقة كما الشمس في رابعة النهار، فيها فيما لو ما أخذ به لاختصر الكثير من الوقت في مسار التطوير والتصحيح، ولا سيما أن ما يطرحه الكتاب هو نتاج خبرة سابقة، أو معايشة يومية، أو حصيلة تقصٍ وتتبع لما يدور في أروقة هذا الجهاز وذاك وما يصدر عنه من توجهات وقرارات، وما يعلن عنه من نوايا مستقبلية، أو نتيجة ما يتم تداوله في المنتديات العامة، وفي الدوائر الاجتماعية العامة، وكل هذه وغيرها تعد مصادر معتبرة يوثق بها ويطمئن إليها، وبالتالي فهي أهلٌ للثقة، ومصدرٌ للمعلومة الصادقة المخلصة، ويمكن الاعتداد بها والاعتماد عليها ولا سيما إذا توافقت مع النوايا المزمع التوجه لها، والقرارات المتجه لاتخاذها في هذا الجهاز أو ذاك.
تعد الكتابات الصحفية أحد المصادر الرئيسة المهمة المعتبرة في تشكيل الرأي العام وصناعته، كما أنها تعد أحد المدخلات المعتبرة القادرة على كشف ما يدور في أروقة الأجهزة الحكومية، كما أنها تعد أحد المؤشرات التي تدل على مدى جدية ومصداقية الأجهزة الحكومية في ممارسة أدوارها وفق الخطة التي اعتمدتها في عامها المالي، وبالتالي فهي أهل أن تثمن وتقدر وتحترم، طالما التزمت بالموضوعية والمصلحة العامة، وابتعدت عن القضايا الشخصية، والأهواء الذاتية أو دواعي التشفي والتشهير.
من الأقوال ذات الدلالة في مبناها ومعناها: مقولة: النائم لا يتعثر، مادام في الجهاز الحكومي أو الخاص حركة مبنية على رؤية، فمظنة التعثر والتقصير واردة، وهذا لا يعيب الجهاز ولا يقلل من شأنه، هذه طبائع البشر، المهم ألا يركن الجهاز إلى السكون والركود، والإصرار على ممارسة الأدوار نفسها التي لم تلق الرضا والاستحسان من المستفيدين، أو لم تحقق الآمال والتطلعات المرجوة.
وإيماناً بما سبق سيظل الكاتب شمعة تضيء في الدهاليز المظلمة، ومعول بناء في الطرقات المسدودة، ومنارة تهدي إلى ما يحقق الصالح العام، ومنبع رأي وفكر يشخص ويعالج وفق المعطيات المتاحة، افتحوا النوافذ له، فلسان حاله يقول: إن أريد إلا الإصلاح.