في ظل تنامي المعرفة البشرية في مختلف مجالات العلوم والفنون، وتجددها بصفة يومية، ولما لمجال التربية والتعليم من أهمية خاصة، لكونه يتعامل مع الإنسان مباشرة، ومن سمات سلوك الإنسان عامة التغيُّر والتبدُّل، وفي هذا الزمن الذي تنوعت مفاهيمه، وتعددت عناوينه، يُعد من أولى الأولويات مواكبة هذا التنامي والتجدد المعرفي الذي لم يعد اللحاق به خياراً يمكن إهماله أو تجاهله، بل هو ضرورة حتمية لا تقبل التأخير أو التأجيل، وعلى المتأخر أن يحسب حسابه بأنه سيكون في مؤخرة الركب، وفي ذيل القائمة، وعليه أن يتحمَّل تبعات ذلك في الفكر والممارسة، فكرياً تجده يغرّد خارج السرب، الناس في وادٍ وهو في وادٍ آخر، وممارسة تجده يكرر نفسه ويمارس أدواره بصفة رتيبة مملة لا جاذبية فيها ولا تشويق.
هذه المسلَّمة لم تعد موضوع نقاش على طاولة خبراء التدريب، ولا لمن يتطلع إلى مستقبل يحتل فيه موقع الصدارة والمنافسة، بل أضحى في مقدمة أولويات الخطط الإستراتيجية وبرامجها التنفيذية، وأضحى لزاماً على الموظف أن يحضر سنوياً جملة من الدورات التدريبية وفق حاجة المؤسسة التي يعمل فيها.
فكل مؤسسة لا بد أن يكون لها رؤية ورسالة وأهداف، ولها قيمها الأخلاقية ومعتقداتها، وهذه مما يجب أن يحيط به كافة العاملين في المؤسسة علماً وممارسة، لأن كل فرد يعمل في هذه المؤسسة مسؤول عن تجسيد كل هذه القيم والمفاهيم خلال ممارسته لأدواره وتنفيذ مهماته أثناء عمله، وعلاقته مع زملائه ومع ذوي العلاقة بالمؤسسة.
إن تعريف الموظف بأدبيات العمل في المؤسسة وقيمه الأخلاقيه، وسياساته وإجراءاته، وتدريبه على ممارستها، أضحى أحد عناوين النجاح، ليس للموظف نفسه فحسب، بل للمؤسسة نفسها، إذ لا بد من تكامل المعرفة والممارسة، بين الموظف والمؤسسة التي يعمل فيها، لا بد من تملُّك الموظف المهارة التي تساعده على تحقيق المنتج الذي تطمح المؤسسة إلى بلوغه، وهذه لا يمكن أن تتم بصفة أحادية من أي طرف مهما كانت قدرته وسلطته، بل لا بد من التهيئة المتوازية لكل منهما، بهذا يحصل التوافق في الرؤية، والانسجام في الجهد، والتكامل في الأدوار، منظمومة متفاعلة يغذي بعضها الآخر بصورة منتظمة ترتقي إلى الغايات المنشودة وفق الخطة والبرنامج المعتمد لتنفيذها بكل ثقة واقتدار.
ومن هذا المنطلق يتجه خبراء التدريب إلى أن تدريب المؤسسات الذي يجمع بين فلسفة المؤسسة والعاملين فيها، يُعد التوجه الصحيح للتدريب، فالجمع بينهما ضرورة، فهما كما الطائر الذي يستحيل أن يحلق بجناح واحد، فأي خلل في أي جناح يخل بتوازن التحليق وانتظامه.
وحيث إن وزارة التربية والتعليم مقدمة على مشروع تدريبي طموح بعد الدعم المالي الهائل الذي حظي به مشروع التطوير (80 مليار ريال)، يشمل آلاف المعلمين والمعلمات، وحسب ما رشح من معلومات، فإن التدريب سيكون خارج المملكة، وله صفة تأهيلية تمكّن المتدرب من الحصول على معارف وممارسات ميدانية ناجحة في دول حقق التعليم فيها مستويات متقدمة من التميُّز والمنافسة في مجال العلوم والرياضيات وغيرها من مجالات المعرفة.
ومع هذا، أقول: إن تدريب المعلم والمعلمة وحدهما مهما بلغ من درجات الكمال، لا يكفي لتحقيق الطموح المنشود في النهوض بالتعليم في المملكة العربية والسعودية، لأنه ثبت أن إدارة التغيير لا يمكن أن يسيطر عليها فرد واحد، ولن يتمكن من نشر مفاهيم التغيير وأدبياته في محيط يرفض التغيير أصلاً، ويصر على ممارسة الحدود الدنيا مما خبره أثناء فترة الإعداد.
ولكي لا تضيع جهود وزارة التربية ورغبتها الجادة في تطوير التعليم، عليها أن تُعنى بمؤسسة التربية الأم - المدرسة - وبالمعلم والمعلمة في الوقت نفسه، بحيث تتبنى الوزارة منطلقاً لتطوير مفهوم المدرسة «المتعلمة» أو المدرسة وحدة للتطوير، وفق المفاهيم والأدوات والمعايير المعتبرة لها، وأن يُوكل للمعلم والمعلمة مهمة نقل عمليات التعلم التي تدربوا عليه لزملائهم.