قرأت في جريدتكم الموقرة وجهات نظر للكاتبة عروبة المنيف بعنوان العنف النفسي ضد المرأة بتاريخ 12-12-1435هـ، العدد 15348 فقد ذكرت الكاتبة أن المرأة تعاني العنف والظلم الواقع عليها من قبل الرجل بمساندة الثقافة والأعراف، واتهمت القانون أيضاً وشمل الاتهام البيئة التي تعيش بها المرأة، وحيث إن هذا الكيل من الاتهامات غير صحيح وإن وجد خطأ فلا ننكر ذلك ولا بشر بدون أخطاء لكن الكيل والاتهام بهذا التعميم غير صحيح ونحن لدينا شريعة كفلت للجميع حقوقهم رجالاً ونساء.
فكان الحديث من الكاتبة كله عن القانون وكأننا لسنا أهل دين وعقيدة ولدينا تشريع رباني كفل وفصَّل في حقوقنا وجعل الرجال قوَّامون على النساء قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء}، وفضَّل الرجال على النساء بزيادة العقل والدين والولاية، وقيل: بالشهادة، لقوله تعالى: {فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ}، وقيل: بالعبادات من الجمعة والجماعة، وقيل: هو أن الرجل ينكح أربعاً ولا يحل للمرأة إلا زوج واحد، وقيل: بأن الطلاق بيده، وقيل: بالميراث، وقيل: بالدية، وقيل: بالنبوة والخلافة وكل ذلك للرجل دون المرأة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها».
ومما ذكرت أنه العنف النفسي ضد المرأة ما ورد في قوله تعالى: {فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ} (3) سورة النساء، فالتشريع الرباني أحل للرجل الزواج من واحدة إلى أربع، بالعدل وإن خفتم أن تجوروا إذا نكحتم أكثر من واحدة فلا تعدلوا، فانكحوا منهن واحدة، أو ما ملكت أيمانكم، ولا تزيدوا على ذلك، وكان الرجل يتزوج العشر في الجاهلية فما دون ذلك، وأحل الله أربعاً، وصيرهم إلى أربع، يقول: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً}، وإن خفت ألا تعدل في واحدة، فما ملكت يمينك.
فذكرت أن التعدد من العنف النفسي ضد المرأة.. وهي شريعة ربانية ليست بحاجة إلى مبرر إنما هو حق للرجل متى استطاع على ذلك وعدل بين الزوجات، فمن الغريب أن تكون مباحات الشريعة تحتاج إلى مبرر، وترك التعدد كان سبب العنوسة التي يعيشها الكثير من النساء ويرغبن بالزواج ولو بالثانية فالشريعة لا تأتي إلا بما هو خير للأمة، ولو من يشتكي من التعدد كان عانس لما قال ذلك.
ومما ذكرت أنه العنف النفسي ضد المرأة ما ورد في قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}.. ذكر ابن كثير في تفسير هذه الآية: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} ألزمن بيوتكن، فلا تخرجن لغير حاجة، ومن الحوائج الشرعية، الصلاة في المسجد بشرطه، كما قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «لا تمنعوا إماء اللّه مساجد اللّه وليخرجن وهن تفلات» (تفلات: أي غير متطيبات) وفي رواية: «وبيوتهن خير لهن».. وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (إن المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون بروحة ربها وهي في قعر بيتها?.
وذكر القرطبي في تفسيرها قال: ومعنى هذه الآية الأمر بلزوم البيت، وإن كان الخطاب لنساء النبي فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى.. هذا لو لم يرد دليل يخص جميع النساء، كيف والشريعة طافحة بلزوم النساء بيوتهن، والانكفاف عن الخروج منها إلا لضرورة، على ما تقدم في غير موضع. فأمر الله تعالى نساء النبي بملازمة بيوتهن، وخاطبهن بذلك تشريفاً لهن، ونهاهن عن التبرج, وحقيقته إظهار ما ستره أحسن.
وذكر الثعلبي وغيره: أن عائشة رضي الله عنها كانت إذا قرأت هذه الآية تبكي حتى تبل خمارها. قال ابن عطية: بكاء عائشة رضي الله عنها إنما كان بسبب سفرها أيام الجمل، وحينئذ قال لها عمار: إن الله قد أمرك أن تقري في بيتك، وذكر أن سودة قيل لها: لم لا تحجين ولا تعتمرين كما يفعل أخواتك؟ فقالت: قد حججت واعتمرت، وأمرني الله أن أقر في بيتي. قال الراوي: فوالله ما خرجت من باب حجرتها حتى أخرجت جنازتها؛ رضوان الله عليها.
أختي في الله, فقرار المرأة في بيتها عزيمة شرعية في حقهن, وخروجهن من البيوت رخصة لا تكون إلا لضرورة أو حاجة، والأمر بالقرار في البيوت حجاب لهن بالجُدر والخُدُور عن البروز أمام الأجانب، وعن الاختلاط، فإذا برزن أمام الأجانب، وجب عليهن الحجاب باشتمال اللباس الساتر لجميع البدن، والزينة المكتسبة، فالمكان الطبيعي للمرأة هو البيت، وحينما يُرْزَقُ الرجلُ امرأة صالحةً تحفظه إذا غاب عنها، تطيعه إذا أمرها، تسره إذا نظر إليها فقد حاز الخير الكثير، فقرار المرأة في عرين وظيفتها الحياتية -البيت- يكسبها الوقت والشعور بأداء وظيفتها المتعددة الجوانب في البيت: زوجة، وأمَّا، وراعية لبيت زوجها، ووفاء بحقوق من سكن إليها، وتهيئة مطعم ومشرب وملبس، ومربية جيل، وقد ثبت من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (المرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها) متفق على صحته، كل هذا لحفظ عورات المسلمين وهن في البيوت، فكيف بمن ينادي بإخراجهن من البيوت مختلطات مع الرجال؟.. فالتزموا عباد الله بما أمركم الله به. وعن أم سلمة -رضي الله عنها- أنها قالت: يا رسول الله! تغزو الرجال ولا نغزو، ولنا نصف الميراث؟ فأنزل الله: {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ}.
ومما ذكرت أن العنف النفسي ضد المرأة ما ورد في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ)، وقال الشيخ أحْمد شاكر رحمه الله تعالى في (عمدة التفسير): (فإذا كان هذا في النهي عن الحج بعد حجة الفريضة -على أن الحج من أعلى القربات عند الله- فما بالك بما يصنع النساء المنتسبات للإسلام في هذا العصر من التنقل في البلاد، حتى ليخرجن سافرات عاصيات ماجنات لبلاد الكفر، وحدهن دون محرم، أو مع زوج أو محرم كأنه لا وجود له، فأين الرجال؟.. أين الرجال؟!)، وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: «والحكمة في منع المرأة من السفر بدون محرم: صونُ المرأة عن الشر والفساد، وحمايتها من أهل الفجور والفسق».
قال الهيثم بن عدي: قدمت امرأة مكة وكانت من أجمل النساء، فبينما كان عمر بن أبي ربيعة يطوف إذ نظر إليها فوقعت في قلبه، فدنا منها فكلمها، فلم تلتفت إليه، فلما كان في الليلة الثانية جعل يطلبها حتى أصابها، فقالت له: إليك عني يا هذا، فإنك في حرم الله وفي أيام عظيمة الحُرمة، فألح عليها يكلمها حتى خافت أن يُشهرها، فلما كان في الليلة الأخرى قالت لأخيها: اخرج معي يا أخي فأرني المناسك فإني لست أعرفها، فأقبلت وهو معها، فلما رآها عمر أراد أن يعرض لها، فنظر إلى أخيها معها فعدل عنها.
فتمثلت المرأة بقول الشاعر:
تَعْدُو الذئابُ على مَنْ لا كِلاَبَ له
وتَتّقي صَوْلَةَ المُسْتأسِدِ الحامي
وقد حُدث أمير المؤمنين المنصور العباسي بهذا الخبر فقال: وددت أنه لم تبق فتاة من قريش في خدرها إلا سمعت بهذا الحديث.
فالواجب على المسلم أن ينقاد لأمر الله تعالى فور سماعه به وإن لم يعلم حكمته ولا المصلحة المقصودة من ورائه، مع يقينه التام بأنَّ الشريعة لا تأمر إلا بما فيه مصالح العباد، ولا تنهى إلا عما فيه فسادهم وضررهم.
قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا}.