من يرغب في بقاء داعش على الأراضي السورية؟ الجواب هو نظام الرئيس السوري بشار الأسد.. هذا يلخص الموقف من وضع داعش ونشأتها والخدمات التي تقدمها للنظام القمعي للرئيس السوري.. ويتمنى هذا النظام بقاء داعش على أراضيه فهي تتلاقي مع مصالح النظام،
وتقدم له أكبر خدمات عسكرية وسياسية تساعده على البقاء وتديم استمراره.. وداعش هي في نشأتها وفي حراكها العسكري وفي سياساتها، تعمل على بقاء نظام بشار الأسد في السلطة وإطالة أمد بقائه..
وإذا عدنا للوراء قليلاً واستعرضنا الأحداث السورية، كنا سنجد أنّ نظام الأسد كان في مرحلة اختناق كبيرة أمام قوات الجيش الحر وقوى المعارضة السورية، وكانت هذه القوات في حصار لمدنه الرئيسة وعلى وشك الانقضاض على سلطته وخاصة في العاصمة دمشق.. وعاشت قوات الجيش الحر انطلاقات سريعة كادت أن تقضي على النظام.. وفي الطرف الآخر بدأت قوات النظام في التراجع وتكبّدت خسائر كبيرة، فعملت المخابرات السورية، وهي من أنشط المخابرات العربية، على وضع خطة إنقاذ لإبقاء النظام على قيد الحياة على أقل تقدير..
تمثّلت الخطة وهي بدعم ومباركة إيرانية - عراقية في مسارين، أولهما الاستعانة الفورية بجيش حزب الله اللبناني على مستوى دعم معنويات الجيش السوري ولمنع انهياره تماماً، يضاف إلى ذلك وجود المستشارين العسكريين الإيرانيين الموجودين من اليوم الأول في دمشق وعلى كل الجبهات، مع فيالق من الحرس الثوري يقودها قاسم سليماني، الجنرال الغامض الذي نفّذ ولا يزال مهمات عسكرية كبيرة في المنطقة بما فيها سوريا والعراق ولبنان، بهدف دعم المصالح الإيرانية في المنطقة. كما تم استدعاء فيالق عراقية من الميليشيات الشيعية لتحارب جنباً إلى جنب مع قوات جيش النظام السوري. هذا كان المستوى الأول من خطة إنقاذ نظام بشار الأسد.
أما المسار الثاني، فقد استهدف قوات المعارضة السورية التي كان الجيش الحر يقودها في مواجهة قوات بشار وفيالق حزب الله وفيالق عراقية وإيرانية.. وتعمل الخطة على تفكيك المعارضة وإنشاء جبهة جديدة تحت اسم إسلامي، لتنافس بعض الجماعات الإسلامية التي كانت تنضوي تحت مظلة الجيش الحر.. وهنا نشأت داعش تحت مظلة النظام السوري وبدعم من استخبارات إيرانية، حيث كانت داعش تقاتل قوى المعارضة قبل أن تقاتل جيش النظام السوري. وبفكر القاعدة المعروف انطلقت داعش كتنظيم إسلامي لتجمع حولها مؤيدين من بعض دول العالم وهم أفراد تم تضليلهم بفكر جهادي ولهم ارتباطاتهم وتعقيداتهم النفسية في بلدانهم، إضافة إلى إغرائهم بمرتبات مالية ليعيشوا كجيش مرتزقة تحت لواء داعش، ولكن الأجندة الخفية هي الإبقاء على نظام بشار الأسد من خلال مقاتلة قوات الجيش الحر، وحتى في لحظة الحقيقة واجهت وحاربت وقتلت داعش قوات النصرة، وهي جبهة إسلامية مفترض أن تكون حسب ايديولوجية داعش في صفها وليس ضدها..
وباختصار كان هدف داعش هو بعثرة أوراق المعارضة السورية وتفريقها ومقاتلتها في هدف استراتيجي هو الإبقاء على نظام بشار الأسد. أما هدف داعش في العراق فكان مختلفاً، حيث وظفت التأزمات بين نظام المالكي وسياساته القمعية وبين السنّة والأكراد، لخلق مساحة لدور جديد لداعش على التراب العراقي. ولكن المالكي كان قد اعترف أخيراً بعد إزاحته عن السلطة أنه أراد تأديب الأكراد بداعش لتذيقهم ويلات القتل والحروب، وهذا ما جعل المالكي ربما يطلب بانسحاب الجيش العراقي من الموصل ومن بعض المدن والقواعد في شمال وغرب العراق، ليتيح لداعش الاستيلاء على أسلحة ثقيلة تساعدها في حربها في العراق وفي سوريا.
إذن داعش في واقعها هي صنيعة سورية جاءت لتخترق جبهات المعارضة السورية، ولمن لم يؤمن بهذه النظرية، فإنّ داعش في أقل تقدير تعمل في خدمة مصالح النظام السوري بشار الأسد، وهذا ما شهدناه خلال العامين الماضيين، فبدل أن تقاتل النظام هي تقاتل جبهات المعارضة السورية وفي مقدمتها الجيش الحر. وتركيبة داعش من المقاتلين ليس تركيبة طبيعية من أبناء العراق وسوريا، ولكنها تركيبة من المرتزقة الذين أتوا من دول عديدة من منطقة الشرق الأوسط ومن خارجها تحت أهداف معلنة ظاهرها إسلامي، ولكن داخلها أهداف مخفية هدفها دعم وتقوية نظام بشار الأسد. وإذا عدنا للسؤال الأول الذي طرحناه في بداية هذا المقال: من يرغب في بقاء داعش على الأراضي السورية؟ سنجد بطبيعة الحال أنّ النظام السوري هو أول من يتمنى بقاء داعش على أراضيه تحقيقاً لمصلحة بقائه، إطالة أمد استمراره.