المملكة العربية السعودية تحتفي بيومها الوطني الرابع والثمانين للوحدة الوطنية التي تأسست على يد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن - طيّب الله ثراه -، وعندما توحدت هذه البلاد من شمالها لجنوبها ومن غربها لشرقها، أطلق عليها اسم المملكة العربية السعودية،
واعتبر الثالث والعشرين من سبتمبر من كل عام هو ذكرى تأسيس هذه الدولة. ونحمد الله أن مكّن بلادنا أن تنضوي تحت راية الإسلام وفي أكبر حملة توحيدية شهدها القرن العشرون في العالم العربي، لتتأسس هذه الدولة على هدي الإسلام وقواعد الشريعة الإسلامية.
إنّ المملكة بتواجدها الجيوسياسي في المنطقة تشكل عمقاً استراتيجياً للمنطقة العربية وللكيان الإسلامي الكبير وفي المنظومة الدولية التي تُعد بلادنا جزءاً من الحراك العالمي الاستراتيجي. وقد حبا الله سبحانه وتعالى المملكة بنعم كثيرة لا تُعد ولا تُحصى، ويأتي في أهمها وجود الحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وهذه مقدسات إسلامية وأماكن عبادة اختارها الله جلّ وعلا في هذه الأماكن، وهذه البلاد هي قبلة المسلمين الذين يزيدون على مليار ونصف مليار مسلم في كل أصقاع المعمورة. ويفد إلى هذه الديار سنوياً ملايين من المسلمين للحج والعمرة وزيارة الأراضي المقدسة.
كما أنّ بلادنا والحمد لله حباها المولى الكريم ثروات اقتصادية هائلة، يأتي النفط في مقدمتها وهو عصب الحياة العصرية للعالم، وتُعد المملكة من أكبر مصدري النفط في العالم، وتملك احتياطات هائلة تحت أراضيها وبحارها. وقد ألهم الله قيادة هذه البلاد حكمة القرار السديد والحكم الرشيد، فقد تم استثمار هذه العائدات النفطية في خدمة المواطن وتنمية الوطن. وهذا ما نشهده إلى اليوم وغداً من كون بلادنا، بفضل الله ثم بفضل قيادتها، تشهد أكبر مشروع تنمية اقتصادية بين الدول النامية، إذا أخذنا بالاعتبار مساحتها الكبيرة وتنوُّع تضاريسها الجغرافية واختلافاتها المناخية. فالمملكة تُعَد أشبه ما تكون بقارة كانت تحتاج إلى مضاعفة الجهود والإمكانيات واستثمار رؤوس أموال كبيرة جداُ لخدمة هذا الكيان.
ومما تميزت به المملكة العربية السعودية كذلك، هو سياستها الخارجية المتوازنة التي تحافظ على وحدة وتلاحم الصف العربي والإسلامي، باعتبارها دولة رائدة تقود العالم العربي والإسلامي مع شقيقات عربية وإسلامية في خضم الأحداث التي تعصف بالعالم، وخاصة المنطقتين العربية والإسلامية. كما أنّ المملكة تنأى بنفسها عن التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى، وهذه سياسة دائمة سنّها الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن، وتبعه فيها ملوك الدولة السعودية إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - يحفظه الله -. ولا شك أنّ مثل هذه السياسة هي التي تحفظ لبلادنا استقرارها وأمنها بحول الله..
وعلى الرغم من حرص المملكة الدائم في بقاء بلادنا بعيدة عن النزاعات والصراعات بين دول العالم ودول المنطقة، إلاّ أنّ هذا الكيان السياسي أصبح مستهدفاً من قِبل جماعات ودول لا تتمنى الخير والاستقرار لبلادنا ولا لمواطنينا، وتسعى هذه الكيانات المشبوهة في بث الفرقة وزرع الفتنة في بلادنا بهدف هدم استقرارنا السياسي وبعثرة منظومة أمننا الوطني. وقد توالت أحداث خطيرة كادت تعصف بالمنطقة وبالمملكة كمستهدف أساسي على مر العقود والسنوات، منذ حرب اليمن الأولى بين الملكيين والجمهوريين وبدعم من جمال عبد الناصر ومحاولته تغيير الأنظمة العربية بما فيها المملكة، ومروراً باحتلال صدام حسين لدولة الكويت الجارة الشقيقة والعضو في مجلس التعاون الخليجي، إلى ما نشهده اليوم من تهديدات من جماعات إرهابية مثل داعش والقاعدة والنصرة والحوثيين، إضافة إلى محاولة إيران منذ الثورة الإيرانية وعلى مدى أكثر من ثلاثة عقود في زعزعة استقرار المملكة وخلخلة منظومتها الأمنية. هذه القوى حاولت ولا تزال تحاول أن تهدد أمن واستقرار بلادنا، ولكن نحمد الله أن مكن لقيادتنا السعودية رؤية حكيمة في إدارة مثل هذه الأزمات.
إن مشاركة المملكة حالياً في التحالف ضد داعش والمنظمات الإرهابية التي تستهدف بالدرجة الأولى المواطن السعودي وزرع الفتن في مجتمعنا كان ضرورة لمواجهة مخاطر هذه الجماعات، ولاسيما أن المملكة تحارب الإرهاب القاعدي من الداخل منذ أكثر من عقد من الزمن، وهيأ لها الله رجالاً مخلصين يدافعون عن أمن واستقرار هذه البلاد، ومشاركة المملكة في الحرب على داعش بعمل عسكري كان متطلب المرحلة الحالية التي تستوجب مواجهة المنظمات الإرهابية في عقر دارها. وسيرد الله كيد الكائدين وستنهزم بحول الله فلول المرجفين. ونحن نشارك، مواطنين ومجتمعاً ودولة، في الحملة على الإرهاب في ذكرى يومنا الوطني الرابع والثمانين، ندعو الله ينصر بلادنا وقيادتنا في هذه التوجهات الحكيمة والأعمال الصائبة التي تحفظ لنا أمننا واستقرارنا ومقدراتنا وتعزّز مكانتنا في الداخل وعلى المستوى الدولي..