تفرغ لروحك في الأيام هذه وأنت تشهد موسم الحج..
وبكل ما فيه من الدروس، والعِبر, والبراهين، والصور.. فإنك تتفكر في مدى التزام الطبيعة بسيرورتها السرمدية في طاعة الله, بانضباط دقيق لا يعكر صفوه إلا نتوءات الخلل البشري حين يكون للإنسان أن يفرُط في فرطِ مسبحة الخير.., ونثرِها من جوف خاوٍ من ضوابط التمسك بالنصف الجميل في الإنسان، وهو يغلِّب النصف القبيح الثاني الذي فيه..
فالإنسان خليطٌ من الخير، والشر .., ومعهما منح من بين كل الخلق العقل ميزاناً بكفتين، وهو غالباً ما يعبئ كفة الشر فيه على كفة الخير, لأنه يُعمل ميزانه بمكيال هواه، منافعه, وأغراضه, ونواياه.. وذلك النصف بما فيه من الأخلاط العكرة.!!..
وإلا فإن المتفقِّه في علوم الأحداث سيملأ أضابير، وأضابير مسودة كالحة بفعل الإنسان المعاصر ذي القوة، في حق الإنسان الأضعف الأعزل منها باختلاف نوعية الضعف..!
بمعنى آخرما نراه من غلبة قوة الدول الكبرى وهي غارقة بكلها في نصف الميزان بكفته المظلمة..
تخرج من مكة أم القرى على الأرض في هذه الأيام بعِبر فائضة, وحقائق كثيرة.., إن نشرتها في وجه الشمس لبددت حلكة الأوراق الصفراء التي خطتها الدول الكبرى في ورق الواقع, ظلماً، وانتهاكاً، وصمتاً عن خطايا, وتوغلاً في فساد, وجبروتاً في قرارات, ونتاً في نوايا..وميلاً بإرادة..!
مكة في كل عام، وفي هذا الموسم الديني العلامة, والمدرسة، البوصلة والقِبلة.., هي تؤكد أن خير أمة أخرجت للناس هي هذه الأمة العربية المسلمة.., وأن الدين الذي أتمه, وأكمله تعالى فوق أرضها، وعلى صعيد عرفات تحديداً وتزميناً لا يرتضي غيره ديناً، هو أمانة هذه الأمة وقد تكالبت عليه النوايا، والوسائل، والقوى..حتى بين أهله..
فاللهم خذ بهذه البلاد في كنف رحمتك, وعياذك، وثباتك, وعزك، وتوفيقك، وحمايتك، وحفظك, ومن فيها، ومن يأتيها، ومن يقيم فيها..
وزدهم علماً، وفقهم في دينك, وولهم عزَّ ثباتك .., واكفلهم في ميزان عدلك، ونصرك, ونورك..آمين.