لا شك أن هناك نسبة كبيرة من الطلاب يمكن وصفهم بالمشاغبين، خاصة في المرحلة المتوسطة؛ إذ تتميز بكثرة الحركة والمشاكسة، وعدم سماع التوجيهات والتنبيهات؛ لأنه لم يتعود عليها في أسرته، ويعتبر هذا شيئاً عادياً ومقبولاً. وتُعتبر وزارة التربية والتعليم وزارة للتربية قبل التعليم؛ فالمدرس يجب أن يكون مربياً قبل أن يكون معلماً، ولا يدخل الضرب في أساليب التربية، خاصة طلاب المرحلة الابتدائية. وأعتقد أن هذا ما تعلمه أثناء دراسته الجامعية التي امتدت لأكثر من أربع سنوات، أخذ خلالها من العلوم التربوية مثل علم النفس والاجتماع ما يؤهله أن يكون مدرساً، إضافة إلى ما مرَّ به من تدريب وتطبيق عملي أثناء دراسته.
ودائماً ما يكتب في الوسائل المقروءة أن إدارة التربية والتعليم بمنطقة (ما) وعدت بالتحقيق في حادثة ضرب معلم طالباً في إحدى المراحل، خاصة المتوسطة، الذي تسبب في إصابة طالب مثلاً بكسر في يده بعد تعرضه للضرب المبرح. وقد تنشر صورة الطالب في التواصل الاجتماعي ويده مجبسة بالجبس.
وقبل فترة، عندما كنت أوصل ابني لمدرسته الابتدائية، رأيت أحد المدرسين أمام بوابة المدرسة ممسكاً بيده خرطوماً من الخراطيم البلاستيكية الحمراء التي تُستعمل في تسليك الكهرباء، وكأنه «يحوش» بها قطيعاً من الأغنام. هذه «الشقاوة» وكثرة الحركة من الطالب وعدم الانتباه للأوامر والنصائح يمكن أن تعالَج بالحسم من درجات السلوك، أو الحرمان من الحصص الخاصة بالرياضة البدنية، أو الحرمان من الرحلات، أو التوبيخ بالكلام، أو طلب ولي الأمر لمناقشة الموضوع معه من قِبل الأخصائي الاجتماعي في المدرسة إذا كان الموقف يتطلب ذلك.
وقد جاء في إحدى وسائل الإعلام المقروءة منذ فترة أن أحد الطلبة في إحدى المدارس الثانوية قام بطعن مدير مدرسته طعنات عدة ثم لاذ بالفرار.
وقد يكون سبب ذلك أن هذا الطالب سبق أن حدث له موقف مع مدير المدرسة، ولم يعالَج هذا الموقف علاجاً تربوياً من قِبل الأخصائي الاجتماعي. وهذا الذي ننادي به دائماً، أنه لا بد من وجود أخصائي لمعالجة هذا الموقف، وليس المرشد الطلابي غير المؤهل لعلاج مشاكل الطلاب خوفاً من أن يتطور هذا الموقف إلى مثل ما حصل لمدير هذه المدرسة الذي قد يكون وبخه أمام الطلبة، أو طبّق بحقه عقاباً بدنياً ولم يتحمل الطالب، وقام بالانتقام من المدير، وقد يكره المدرسة والوسط المدرسي من معلمين ومراقبين وطلاب، وتصبح المدرسة عامل طرد له.
فمجرد العبث أو سوء السلوك أو الخطأ، سواء كان مقصوداً أو غير مقصود من طالب، يجب معالجته بشيء من الحكمة؛ حتى لا تتطور لكسر يد طالب، أو ضرب مبرح، أو دفع طالب ثانوي إلى طعن مدير المدرسة.
إن الأب الذي يذهب لتوصيل ابنه أو بنته في الصباح إلى المدرسة يتوقع أن في المدرسة أباً ثانياً أو أماً ثانية، سوف يقوم بتربية ابنه أو ابنته، وسوف يعطف عليه، ويقدم له العلم بصورة تجعله يحب العلم. ونحن لا نعمم أن كل المعلمين والمعلمات على منوال ما يحصل للطالب من عقاب، وعدم معالجة الموقف بما يضمن عدم تكراره؛ لأن هناك من المعلمين والمعلمات على قدر كبير من الحكمة التربوية والعطف والحنان على الطلاب والطالبات، ويعتبرونهم مثل أبنائهم، لكن هذه المواقف التي تحصل من بعض المعلمين بين فترة وأخرى، وتنشرها وسائل التواصل الاجتماعي، مثل معلم أو مربٍّ يضرب ويعاقب أحد الطلاب بسوط من سلك كهربائي، تحتاج إلى مزيد من توجيه المسار التربوي إلى المسار الصحيح؛ لأن مثل هذه المواقف السلبية تخدش العملية التربوية، وتنعكس على جميع منسوبي وزارة التربية والتعليم. ولا شك أن وزيرنا سمو وزير التربية والتعليم الذي يهمه التربية قبل التعليم لا يرضيه هذا المستوى من التعامل مع الطلبة، خاصة الطلبة من صغار السن. وما مشروع قائد مسيرتنا ورجل التنمية الأول الملك عبدالله الذي رصد للتعليم المليارات لتطوير التعليم إلا دليل على هذا الاهتمام.
ويبقى أن ننادي بالأخصائي الاجتماعي المسلح بسلاح العلم، والمتخصص في الخدمة الاجتماعية، الذي يستطيع أن يتعامل مع انحرافات الطلاب، ويوجههم التوجيه السليم، بعد أن يعرف لب المشكلة التي تجعل من الطالب سيئ السلوك أو باحثاً عن المشاكل، ويقوم بتوجيه الأب والأسرة بالتعاون معه لعلاج هذه المشكلة بدلاً من إطلاق يد بعض المعلمين بهذه الصورة التي جعلت هذه التداعيات تحدث. والله من وراء القصد.