نستقبل كل عام، وفي اليوم الأول من (برج الميزان)، الاحتفال باليوم الوطني. وتحل هذا العام ذكرى اليوم الوطني الـ(84) بعد توحيد هذا الكيان العظيم على يد موحده الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه، وعليه سحائب الرحمة - بعد جهد جهيد مع رجاله الأوفياء. وقد عم هذا الكيان التوحيد تحت راية (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، واستتب الأمن الديني والاجتماعي والاقتصادي والتعليمي والصحي.. وشملت هذه المظلة جميع أرجاء المملكة مترامية الأطراف، وأصبح المواطن والمقيم على هذه الأرض الطيبة آمناً (على نفسه ودينه وعرضه وماله)، وهذا امتداد للدولة السعودية الأولى بعد تعاضد (الإمام محمد بن سعود) ومصحح الدعوة من الشوائب والاعتقادات الفاسدة (الشيخ محمد بن عبدالوهاب). وقد سار أبناء الملك عبدالعزيز من بعده (الملوك سعود وفيصل وخالد وفهد) حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الذي جاء من بعدهم، وتولى (سدة الحكم عام 1426هـ)، وتولى المسيرة المباركة في حكم هذه الدولة الفتية، فعم الرخاء والنماء، ودبت التنمية في جميع أرجاء المملكة في جميع مناحي الحياة، والهدف منها تنمية المواطن السعودي الذي تتجه منه وإليه، التي يشهد لها القاصي والداني، ويشار إليها بالبنان في جميع بقاع العالم. وهذا لم يأتِ من فراغ، إنما جاء نتيجة لمشاريع التنمية الشاملة، وأهمها مشاريع الحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة التي هدفها خدمة الإسلام والمسلمين، وهي الشاغل الأول لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله - حفظه الله - لحسه ووجدانه الإسلامي؛ إذ تسخر المملكة كل طاقتها كل عام لخدمة الحجاج والمعتمرين؛ ليؤدي كل حاج ومعتمر نسكه بكل يسر وسهولة، آمناً على نفسه وشعائره الدينية؛ لذا يلمس المسلمون أن الحج يتيسر ويسهل كل عام عن العام الذي قبله، وهذا ما يشهد عليه كل حاج ومعتمر ذكوراً وإناثاً. وقد تتابعت التنمية والإصلاح في عهده - حفظه الله - وأولها صحة المواطن؛ إذ يحرص على أن يتلقى المواطن والمقيم الخدمات الصحية الوقائية والعلاجية؛ لذا رصدت الدولة في هذا العام أضخم ميزانية لقطاع الصحة؛ لتشمل المظلة الصحية كل مواطن في جميع مناطق المملكة، مدنها ومحافظاتها ومراكزها وهجرها، وأنشأت المستشفيات التي تماثل المستشفيات العالمية؛ إذ تُجرى فيها كبرى العمليات وأعقدها، كذلك انتشار المستوصفات والمراكز الصحية في البلدان والهجر لتقديم الخدمات الصحية لقاطنيها، كذلكلتعليم الذي يحرص عليه - حفظه الله - لأنه يعرف أن تقدم الشعوب وتطورها لا يتمان إلا بتعليم أبنائها؛ فرصدت المملكة المليارات لهذا القطاع.. وما برنامج خادم الحرمين الشريفين لتطوير التعليم إلا دليل على هذا الاهتمام، وآخرها دعمه لميزانية هذا القطاع بـ(80) ملياراً (لتطوير وتحسين أداء المعلم أولاً، ثم المنهج الدراسي، والطالب، والمبنى الدراسي)؛ حتى يتم التعليم في وسط (تربوي تعليمي اجتماعي)، يخدم الطالب والأسرة والمجتمع. ولا ننسى (برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث)؛ إذ يوجد الآن أكثر من مائة وخمسين ألف طالب وطالبة، يتلقون تعليمهم في أرقى الجامعات في مختلف الدول العربية والصديقة، إضافة إلى التعليم الجامعي الداخلي؛ إذ يوجد أربعون مرفقاً تعليمياً جامعياً (ما بين جامعة وكلية). وكذلك اهتم - حفظه الله - بالقضاء والقضاة، ومنه مشروعه (لتطوير مرافق القضاء). كذلك لم ينسَ - حفظه الله - الاهتمام بالأمن والاستقرار الجنائي والاجتماعي؛ لأن الشباب وأبناء الوطن هم الذين يحمون بلادهم بعد الله؛ لذا تم الاهتمام بالكليات العسكرية والمرافق العسكرية الأخرى من أجل تزويدهم بالعلوم العسكرية والسلاح؛ ليكونوا درعاً تذود عن وطنهم. ولم يغفل الترفيه عنهم بالترفيه البريء.. وما إنشاء درة الملاعب (الجوهرة في جدة) إلا دليل على ذلك، وعلى غرارها أحد عشر ملعباً في مختلف مناطق المملكة للشبيبة التي تشكل 60 % من التركيبة السكانية للمملكة. ولا يمكننا حصر جهوده - حفظه الله - في هذه العجالة، ولكن هذا غيض من فيض. ولا ننسى جهوده في محاربة الإرهاب والتطرف الديني والفئة الضالة من الإرهابيين؛ إذ امتدت جهود المملكة إلى تأسيس مركز دولي لمكافحة الإرهاب ودعم هذا المركز (بمائة مليون دولار) لتفعيل دور المركز. وقد سبق هذا دعمه لمجال الحوار بين الأديان على قاعدة الاحترام المتبادل بانعقاد المؤتمر العالمي للحوار في العاصمة الإسبانية مدريد عام (2008م). كل هذا لم يُنسه أيضاً قضية العرب والمسلمين (قضية فلسطين)؛ إذ كان دائماً يقف مع الشعب الفلسطيني في محنته والدفاع عن احتلال أرضه، وسبق له أن جمع القياديين من (حماس وفتح في مكة المكرمة) من أجل توافق وجهات النظر بين هاتين القيادتين. وقد ضمد جراح إخواننا الفلسطينيين بمائة مليون ريال، وخمسمائة مليون دولار لإعادة إعمار غزة كدفعة أولى. وهذا ديدن المملكة تجاه هذه القضية منذ عهد الملك عبدالعزز - رحمه الله - بأن تدافع عن حقوقهم والوقوف بجانبهم. ولا ننسى أخيراً أن سياسة المملكة لا تتدخل في شؤون الغير، كما لا ترضى بأن يتدخل أحد في شؤونها.
وأخيراً نقول: اللهم أعد علينا ذكرى هذه البيعة ونحن ننعم بالأمن والاستقرار ورغد العيش، وأن يحفظ بلدنا من كل معتدٍ أثيم وكل حاقدٍ شرير، وأن يجعل كل هذا في نحورهم في ظل قائد مسيرتنا خادم الحرمين الشريفين - متعه الله بالصحة والعافية - وسمو ولي عهده الأمين وسمو ولي ولي عهده - حفظهم الله أجمعين - وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وكل عام وأنتم بخير.