الشباب اليوم هم ضحية لكثير من المغريات، سواء كانت مغريات الفساد والانحلال والمخدرات، أو مغريات التحريض للخروج إلى مناطق القتال. وهذه قصة شاب سعودي نشرتها إحدى الصحف المحلية،
وتم استضافته في أحد البرامج التلفزيونية، وذلك حول كيفية توجهه إلى سوريا واكتشافه أن ما رآه في المناطق التي كان فيها لم يكن إلا قتلاً غير مبرر، ولم يتجاوز سوى تغليب الشهوات والأهواء. وكما يذكر في قصته، فإن أكثر القتال كان بين الفصائل على السلطة والأرض والمسكن وأشياء دنيوية، وهذا الأمر جعله يتخذ قرار العودة إلى وطنه وأهله وهو نادم أشد الندم على ذهابه إلى هناك.
عبدالله كان ضحية من الضحايا التي ذهبت إلى مناطق الصراع بعد أن وصل إلى قناعة بأنه سيجد هناك حياة مختلفة، أشبه ما تكون بحياة الصحابة والتابعين، وسيقضي أوقاته بين الذكر والصلاة والعبادة والجهاد حتى ينال الشهادة، وخصوصاً أنه كان طالباً في كلية الشريعة في إحدى جامعات المملكة، وكان يشاهد كل يوم ما يحدث من قتل وتشريد وسفك لدماء المسلمين، ويرى المناظر البشعة من خلال المقاطع التي تصله كل يوم على جواله؛ ما حرك بداخله مشاعر الحمية والدفاع عن الدين وعن المسلمين في سوريا مستنداً إلى بعض أقوال أحد الأشخاص الذين كانوا يتحدثون باستمرار عن القضية السورية؛ ما جعله يوطد علاقته به، ويطلب منه أن يساعده في إرساله إلى سوريا بعد وصوله إلى قناعة كاملة بضرورة الخروج إلى سوريا دون إذن والديه، فقام بإصدار جواز سفر له، وأعد العدة، وقبل بداية الاختبارات غادر عبدالله إلى وجهته.
عندما وصل عبدالله إلى مناطق القتال لم يجد ما كان يعتقد أنه سيحصل عليه من حياة إيمانية متكاملة، ولم يجد الجماعة التي كان يتصور أنها جماعة واحدة تدافع عن قضية واحدة، بل وجد جماعات عدة، ووجد خلافات وآراء متعددة، ووجد تغليباً للأهواء وأحزاباً وقتلاً غير مبرر، وبعد مرور أشهر عدة شعر عبدالله بفداحة الخطأ الذي ارتكبه، وبأنه بعيد كل البعد عن الهدف الذي خرج من أجله وترك وطنه وأهله في سبيله، واتضحت الصورة لهن فلم يعد يعرف ما هو الحق وما هو الباطل؛ فقد كثر القتال من حوله بين فصائل متعددة، وبأسماء مختلفة، وجميعها تدعي أن هدفها هو الدفاع عن الدين ونصرة الحق، وجميعها تدعوه للانضمام لها وترك الآخرين، وكل قيادة من تلك القيادات لها أفكارها ورغباتها التي تختلف عن قيادات المجموعات الأخرى، فالبعض يبحث عن المال، والبعض يبحث عن المنصب، والبعض يبحث عن الأرض.. وهكذا تعددت الرغبات والأهداف؛ ما جعل عبدالله يسعى إلى دفع مبالغ كي يخرج من الحدود السورية التركية، ثم الاتصال على سفارة وطنه للعودة إلى أهله الذين كانوا في انتظاره في المطار بمشاعر فياضة بالبكاء.
لم يتوقع عبدالله أنه سيرى أهله مرة ثانية، وحمد الله كثيراً على ذلك، وندم على خوضه تلك التجربة. وفي نهاية قصته وجّه عبدالله رسالة لكل من يفكر في الخروج إلى مواطن الصراع أو الفتنة أن يفكر ويعيد النظر، وأن يخشى على دينه قبل أن يخشى فقد أهله.
يفيد المتحدث الأمني لوزارة الداخلية اللواء منصور التركي في أحد المؤتمرات الصحفية التي تمت مطلع هذا العام بأن ما بين 20 - 25 % من المغادرين من الشباب السعودي لمناطق الصراع يعودون بعدما تتضح لهم الصورة، مؤكداً أن وزارة الداخلية تقدم كل الدعم للراغبين في العودة، وأنها ساعدت عدداً من المتورطين. وعلى الرغم من صدور الأمر الملكي بتجريم المشاركة في الأعمال القتالية خارج المملكة إلا أن هناك توجيهات عليا صدرت في الوقت نفسه بتسهيل عودة المغرر بهم من مناطق القتال.
المحرضون اليوم يختفون خلف وسائل التواصل الاجتماعية ليلعبوا بعواطف الشباب مستخدمين بعض المقاطع والدعوات الضالة، ومستغلين ظروف بعض الطلبة أو الباحثين عن العمل ليستدرجوهم للخروج من وطنهم للحرب في بلاد أخرى تحت مسميات مختلفة. وعلينا أن نقدم كل ما في وسعنا للعمل على تحصين أفكار شبابنا وحمايتهم من هؤلاء المحرضين ومتابعة ومراقبة أبنائنا حتى لا نفاجأ بهم يوماً وقد رحلوا فجأة لمواطن القتال.