التحدي الكبير الذي تنجح فيه الطفولة ويُهزم النضج.. تلك الشهية المفتوحة للتجربة.. والرغبة التي لا تنطفئ.. إنما تأخذ استراحة حياة لإرهاق الجسد الذي تعب من اللعب والبحث والمراوغة والتحايل لنيل الأماني.. لكنه حتماً يعود من جديد فور يقظته لأن رغباته لا تنام.
وإن تمعنت في البشر تجد الكثير منهم كأنه كبر فجأة.. ويموت ببطء يستفز السؤال الذي لا يجد من يلوم.. أين أضعت الطفل الذي كنت؟
على عكس من يضج حياة.. ولا تزال التجارب عنده ذات معنى.. تهز رغباته وتنفضها عندما تتوقف بفعل الخوف أو أي مصدر محبط.. إنه يفهم من قصر الحياة أنها تستحق أن يستهلك منها كل ما تطوله يده ولا تطوله.. يجد في الانتهاء بداية لأمر جديد.. وليس توقفا لنعي الأطلال والراحلين والخائنين.. لا شيء عنده يعني التوقف.. إلا إعلان النبض الأخير أن الموت الحقيقي قد حان.. عندها فقط.. يستسلم بهدوء.
ولأن الفعل الناجح المؤثر مشروط بالرغبة.. فكل عائق لا بد أن ينحني أمام اندفاع الرغبة.. وأي فعل لا تصاحبه الرغبة مجردٌ من الإحساس وخالٍ من النصر.. إنه أمر تقوم به مجبرٌ.. والإجبار رفيق العبودية وخصم الحرية.. فأين فقدت رغباتك شهية التحقق؟
البقاء في نفس المكان.. وعلى ذات الحال.. جمود واستسلام ليس له مبرر.. عدا ظنونك أن البداية من جديد لم تعد ممكنة.. والحقيقة أنك متعلق باللذة الأولى.. والشعور الأول.. لديك قناعة قاتلة أن ما حدث لا يمكن أن يتكرر.. وإن حدث فهو لا يحقق ما حدث في أول الأمر.. فهل تعرف أقسى من هذا الحكم على نفسك؟
لست مجبراً أن تكرر.. إنما جرب أن تبحث عن المختلف.. الذي كان مستبعداً من قائمة خياراتك.. لأسباب كلها خارجة عن حقيقته.. لأنك لم تجربه ولم تعرفه ولم تلمسه.. فكيف قررت أنه غير صالح لك؟
إنها المعايير التي تحبس بها شهيتك.. إما تحت وطأة تجارب سابقة كأن كل الوجوه وجه واحد.. وكل شيء يحمل ذات الطعم.. أو داخل أفكار معلبة كأنك خبرت الدنيا بكل تنوعها.. وأنت محصور في حيز ضيق لا يعادل منها إلا جزء من المليون.. هكذا هو الإنسان.. يظن أن تجاربه هي محور الحياة بكل ما فيها!
لا تخنق شهيتك بخيالك.. أتركها خالية من التوقعات.. حتى تصلها وتجربها.. عندها يمكنك أن تقرر مدى صلاحيتها لك.. وهل تكمن فيها سعادتك وشغفك.. أم أنها لا تهم.