تتسع ذمة البعض لمستوى مقزز من الانحدار إلى أدنى مرحلة من «الرخص».. يمكن أن تظن معها أن ما تراه وحشاً على هيئة إنسان.. فإن أردت أن تعرف مداها لدى أحدهم فانظر إليه عند الخصومة.. إن أطلق للسانه الرسن.. يضرب في أي مكان.. ونال من خصمه في أمور أبعد ما تكون عن الشهامة.. فاعلم أنك تجالس شرّاً محضاً.. وإن كانت عشرته معك أشبه ما تكون نبيلة.. والفرق بيّنٌ وجليٌ بين الشكوى المتعقلة وبين هتك الأسرار أو البهتان.. يمكنك أن تشتم أو تشتكي.. لكن أن تنال من أمور تكسر عزة الآخر وشرفه.. فأنت تقاتل فراشة بمدفع!
كثيراً ما تتجاذب الإنسان عند الخصومة نزعتان.. نزعة الحكمة وحل الأمور بمبدأ «الجميع يكسب» لكنها تحتاج قليلاً أو كثيراً من التنازل مقابل مكاسب مستقبلية.. ونزعة القوة والسيطرة التي في مجملها محفوفة بالخسائر مقابل موقف مؤقت لإصابة الخصم في أعمق منطقة قد لا يشفى منها.. صحيح أن بعض الخصوم لا بد أن تريه الوجه الآخر من حلمك وصبرك.. لكن متى تصل لتلك المرحلة.. هنا تصنع الفارق الكبير بين أرباحك وخسائرك.. ولا تزال الحكمة تأخذ نصيب الأسد ونتائجها غالباً لا تخرج عن الفائدة.. ولا يمنع أن تكون الحكمة متوجة بالقوة الشريفة النبيلة.. التي تعرف كيف تبارز على طريقة الفرسان وليس العصابات التي لا تهتم كيف تترك المكان.. إنما كمية الغنائم هي معيار النصر.. لكن الفارس الشهم همه الأول أن لا يخلف وراءه الدمار بعد الانتصار.. إنما بيئة ستحتاج القليل لتقوم من جديد.
عندما تقرر أن توجع أحدهم ليستقيم حاله معك.. تذكر أن لا تجهز عليه وتقتل كرامته.. ضع في اعتبارك السبب لرفع سوط الكلمات المؤلمة.. وإن كان الوضع يستحق أن تنصب للقرارات مقصلة تقطع بها السبل.. فالتأديب يختلف عن العقاب النهائي.. فبعد أن تهدأ الرياح.. ستجد الندم نديم ينتظر ضميرك أو يعدد خسائرك.. فلما لا تكون لديك خطوة استباقية تعفيك من دفع فاتورة التهور والاندفاع.. وليس جبناً أن تقدم المصلحة العامة على الانتقام الشخصي.. وليس تراخياً أن تتجاوز عن التفاصيل الصغيرة.. اجمع منها جبلاً ليكون لزلزلته وقع وهدف.. فلا أسخف ممن يحاسب على كل صغيرة وكبيرة.. كالشاكي الباكي دون حراك.. مزعج بأنينه العاجز.. حتى يمله الصحاب.
اعرف كيف تجمع أوراقك عندما تقرر الإطاحة بظالم.. فالأدلة والبراهين طريقك لإثبات حقك.. بهدوء الحكمة التي تخبرك أن الانحناء سيعقبه تعاظم واعتلاء.. أما الشكوى دون دليل.. مجرد انكشاف ساذج لضعفك وأنك لا تملك إلا الصراخ.